التاريخ المثالي يكتبه المثاليون الصادقون الموضوعيون وليس المنتصرون، فالتاريخ هو وعاء الزمن بكل ما فيه.. واقعنا الرياضي في مسألة توثيق البطولات تسبب في عسر القبول لدى المتلقي بسبب التأخر الكبير الذي أهمل التاريخ وغفا عنه بشكل مؤلم.
يعد التوثيق جزءاً أساسياً منبثقاً من التنظيم المرجعي الذي يخدم حاجة المهتمين، هو أسلوب يقوم بالسيطرة على المعلومات التي يمكن أن تكون بالوثيقة أيا كان نوعها كالكتب، والصور، والتسجيلات الصوتية والمرئية والنصوص الإلكترونية والعمليات الفنية التقليدية كالتجميع والاختزان والفرز، ويفترض تميزه بالتنظيم المرجعي والموضوعي والمنهجي للبيانات المتوفرة.
ويبدأ التوثيق باختيار مصادر المعلومات الملائمة، وتحديدها لأهداف التوثيق ومتطلبات الحال، ثم التنظيم أو معالجة المعلومات الوثائقية في نظام يمكّن من الوصول إلى محتوياتها بصورة مقننة وبسرعة قصوى توفيراً للوقت والجهد. وتشتمل عمليات تنظيم المعلومات أو معالجتها على عمليات الرصد، والتحقق، والتدوين، والفرز، والنقد ثم الاختيار فالفهرسة والتكشيف وإعداد المرجعيات والتحليل الموضوعي للوثائق.
والمجال الرياضي مجال يؤرخ وحيوي وفيه حراك كبير، ومرتبط بالإرث الوطني، لذلك فوظيفة التوثيق الرياضي تنتج توسيعا في تدفق المعلومات المدونة بين مجموعات الجمهور العاشق والباحث عن تاريخ الرياضة السعودية عامة وتثبيت تاريخ الكيانات بشكل خاص.
لذا فتوثيق الأحداث والحركة الرياضية ومن بينها البطولات المختلفة لكل الأندية والمنتخبات في كافة الألعاب هو ذاكرة الوطن المضيئة اليقظة الحصينة التي لا يدركها النسيان، وهو الركيزة الحقيقية التي يعتمد عليها الباحثون في البحث عن الحقيقة، وحلقة وصل متينة تصل حاضر الأمة بماضيها، وشاهد حي على تاريخ رياضة وطن لنعرف به مدى التطور الذي حصل في المجتمع الرياضي في جميع مفاصل حركته في ذلك الزمن الماضي، وهو المستند الصحيح المُحكم المؤكد يؤخذ به على وجه الدقة والصحة والواقع والحقيقة كما هي بلا زيادة ولا نقصان، ولا حياد ولا تحيز.
ولا شك أن قضية التوثيق ذاتها عاشت مطبات تاريخية منذ سنوات، فقد عقدت لجنة في زمن سابق ثم تم إلغاؤها، وأطلقت لجنة أخرى فعملت ثم تم إلغاؤها مما يدل على حساسية الموضوع، وأهمية النظر له بعين الاعتبار والتأني الذي يتطلب التوازن، والتوافق من قبل الأطراف والجهات والكيانات المعنية بالتوثيق والانتباه لأحقيتها في بطولاتها وتحديد تاريخها ما دام مثبتا بعيدا عن معايير طارئة يتم اتخاذها بناء على معطيات آنية تتجاهل واقع الرياضة وبالذات كرة القدم منذ تأسيسها وأول مباراة لعبت على أرض الوطن فحق كل ناد أن يرصد ويعدد ويتباهى ببطولاته.
والحديث عن موضوع يحتاج لمختصين واعتبار واقعي وزمن مثالي كتوثيق البطولات في توقيت مستغرب يثير التساؤلات، حيث تجازنا منتصف الموسم الرياضي والأندية منشغلة بترتيباتها في الانتقالات والقوائم المالية والتركيز على الاستحقاقات.
وما يلفت أن الاتحاد السعودي مشغول جدا بقضايا حيوية وجدلية شكلت رأيا عاما وساخنة متأخر البت فيها وتم تبريدها وقضية باردة كالتوثيق تم تسخينها.
المرجع الحقيقي لتوثيق الحركة الرياضية ومن ضمنها بطولات الأندية في كرة القدم هي وزارة الرياضة، فهي أقدر وأجمع وأوعى بأدواتها وإمكاناتها ورجالها، لذا حين يتصدر الاتحاد السعودي لهذا العبء فهو يخفق مجددا ليس لوهن مسألة التوثيق وعدم جدواها بل لعدم أحقيته ومرجعيته في أن يقوم بذلك.
إن كان الأمر سيحمله الاتحاد السعودي فلابد أن يبدأ بإخراج ومراجعة سجلاته وأرشيفه ويجمع أوراقه كمصادر أولية رسمية قبل أن يتم انتقاء التوقيت الملائم، ثم يجب تحرير مفهوم التوثيق والتدوين والرصد ويترك التصنيف بعد صياغة معايير رسمية يتم الاتفاق عليها.
وتضع اللجنة المسؤولة عن التوثيق والرصد في الاعتبار سجلات الأندية لبطولاتها ما دامت مثبتة وعدم نحرها وإقصائها بوضع معايير موجهة باتجاه أحادي مرتبط بعقول أشخاص محددين لديهم ميول تعيقهم عن أداء مهتم بشكل أوعى. وأتمنى أن يتريث لما بعد انتهاء الموسم للتداول حول موضوع التوثيق في توقيت هادئ يجعل أصحاب العلاقة لديهم تركيز وميل إلى التداول في هذا الموضوع والتعاطي معه بشكل إيجابي وألا يفتح جبهات مليئة بالضجيج حول الأندية المنشغلة بترتيب داخلها فنيا وماليا وإداريا.
كان من حق الفرق التي حصلت على بطولات أن يتم تدوينها ورصدها رسميا في وقتها، وليس الانتظار عندما رصدت تلك الفرق بطولاتها بجهودها الشخصية وملفاتها القديمة وتشاكلت الأمور قيل ليس من حق الأندية أن ترصد بطولاتها وتصنفها، وليس لأن هناك من لم يرغب في توثيق البطولة آنذاك لشح بطولاته ثم بعد أن أتخم بالبطولات رجع إلى التوثيق حين ضاع الزمن وكثر الجدل.
ويبقى القول: نريد توثيق البطولات وليست بطولات التوثيق.. نريد لجنة غنية بالرسمية لا مشبعة بالإعلام.. فلا تجعلوا أحصنة السبق تعود إلى الخلف فتثير أغبرة الظنون والتأويلات فالجمهور الرياضي دوما ينتظر أن يمارس تشجيعه في ميادين العدالة والتوازن والمصلحة العامة.