[email protected]
الصحراء موطن العرب. كان ذلك من قديم الزمن، وكما قال أحد المفكرين «لا تُرِ الفينيقي البر ولا تُرِ العربي البحر». تتجلى هذه الحقيقة التاريخية بكل وضوح بامتداد سواحل المملكة شرقا وغربا.
تتمتع المنطقة الشرقية بإطلالة على ساحل الخليج العربي يناهز طولها الستمائة كيلومتر. وكما هو الحال في معظم الدول العربية فإن نصيب الساحل من التنمية الحضرية ما زال دون المطلوب.
لعل أهم مؤشر على مدى ارتباط التنمية العمرانية بالبحر هو في العلاقة بين البر والبحر. وفي المنطقة الشرقية يمكن على عجالة الحديث عن مناطق اتصال ومناطق انفصال، بدءا من النويصيب شمالا وحتى أبو سمرة جنوبا. ولأن الخليج العربي هو منفذ الطاقة لجميع دول العالم فإنه من المفهوم بالضرورة إغلاق منافذ الطاقة تلك لأسباب تجارية وأمنية ولوجستية. منافذ الطاقة هذه مناطق انفصال بالضرورة. يضاف إلى ذلك ميناء الدمام أحد أهم منفذين للمملكة على الملاحة الدولية. إن موقع ميناء الدمام الحالي يمثل مشكلة تنموية للمنطقة الشرقية. فنظرا لوقوع الميناء في قلب المنطقة الحضرية فإنه يقطع استمرارية خط الساحل. كما أن وصول الشاحنات إلى جوف المنطقة الحضرية وعاصمتها الدمام – بالرغم من سهولة الوصول إليه – يسبب إرباكا للحركة المرورية ويفرض نوعا مختلفا من التنمية.
لقد آن الأوان لنقل ميناء الدمام بعيدا عن قلبها النابض. يبقى ذلك مرهونا بما تراه الجهات المعنية مناسبا لذلك. وكما يقول المثل أهل مكة أدرى بشعابها.
تتميز المدن الساحلية بإطلالاتها البحرية. هذا هو قدرها وساحل (كورنيش) المدينة هو مجلسها ومقصد الزوار فيها. الحديث هنا عن الفضاء العام والفضاء الخاص في الواجهات البحرية. من المعروف في علوم الاجتماع والهندسة وتخطيط المدن أن الفضاء العام مقدم على الخاص. وكلما زادت مساحة مشاركة الفضاء العام كان ذلك أجدى للمدينة وقاطنيها وزائريها. ولكن ما أوجه التفاعل والمشاركة بين المدينة وساحلها، بين البر والبحر. هنا تتعدد الإجابات وتختلف الرؤى والتصورات.
في هذا السياق تتصدر الواجهة البحرية للخبر المشهد العمراني وقد أصبحت معلما سياحيا هاما للمدينة والمنطقة الشرقية عموما. وهنا يود المرء لو أن هذه الواجهة، هذا الشريط الساحلي قد امتد شمالا مرورا بساحل الراكة وصولا إلى الميناء، ليستأنف مساره شمالا وصولا إلى كورنيش الدمام، فسيهات، ودارين، والقطيف، فرأس تنورة، فالجبيل، فالخفجي، وصولا إلى الكويت الشقيقة. ومن الجنوب بالعزيزية، فساحل نصف القمر، وصولا إلى ميناء العقير التاريخي، فسلوى. ضمن هذه الاستمرارية يجب أن يتم النظر إلى التنمية الحضرية في المنطقة الشرقية: عبر ساحلها، مصدر هويتها وتميزها. يعترض هذا الشريط مناطق انفصال وملكيات خاصة ومدن صناعية ومحطات تحلية مياه وتكرير نفط وغير ذلك، غير أنه بالإمكان التغلب على هذه المناطق في حال ما تم توجيه التنمية الحضرية في المنطقة الشرقية نحو البحر وفق خطط مدروسة.
القيم الجمالية في الشريط الساحلي متنوعة. فهناك تدرج لون البحر وتكسر أمواجه على ضفاف الساحل. وهناك غابات المانجروف بالرغم من تآكلها وهناك الجزر الطبيعية آو تلك التي يمكن استحداثها بامتداد الساحل وهناك الجسر الذي يربط المملكة بالبحرين.
عرفت الأحساء بأنها واحة تاريخية في جوف جزيرة العرب، ويكاد يكون ارتباطها بالبحر منعدما. فقط لنتصور مدى النقلة التنموية التي ستنتج لو تم ربط هذه الواحة بكل ما تحتويه من مزارع وعيون وتراث مادي وغير مادي بساحلها وما سيترتب على ذلك من فوائد جمة على كل الأصعدة.
الساحل الشرقي هو رئة المنطقة ومتنفسها وشريان الحياة فيها. وقديما قيل الهوى شرقاوي. الخيار هنا بين نسيم البحر أو سموم الصحراء.