أجمع مختصون ومواطنون أن مواقع التواصل الاجتماعي المتهم الأول لكثرة حالات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج، لكثرة تواجد المستشارين غير المختصين، الذين يدلون بآرائهم غير المدروسة، إضافة إلى حفلات زواج المشاهير التي تظهر ببذخ غير مبرر، ما يرفع سقف الآمال والتطلعات لدى الشباب وخاصة الفتيات.
وطالبوا خلال «ندوة اليوم»، بتخفيض أسعار قاعات الزفاف، واقتصارها على حفلة أو حفلتين كحد أقصى، وتحديد عدد الضيوف للتقليل من التكاليف، وتعزيز الوعي بقيم الترابط الأسري وتحمل المسؤوليات، وثقافة القناعة، والعودة إلى السنة، والتنازل عن المظاهر المبالغ فيها.
افتقاد قيم الترابط الأسري
قال المختص النفسي والمستشار الأسري د. فهد القرني، إن أسباب انخفاض معدلات الزواج عديدة، منها: ارتفاع المهور، وارتفاع نسب الطلاق. مشيرا إلى ما ذكرته وزارة العدل قبل ١٠ شهور، بأنه في خلال شهر واحد صدر ٤٠ ألف صك طلاق ما بين طلاق، وخلع، وفسخ نكاح. مبينا أن كثرة حالات الطلاق أدت إلى تخوف الشباب والفتيات من خوض التجربة.
آثار سلبية
وأضاف د. القرني، إن من الآثار السلبية لقلة الإقبال على الزواج، مرور المرأة بمرحلة مؤلمة، وهي مرحلة تسمى «العنوسة»، وأيضًا عندما يصل سن الرجل إلى عمر ٣٠-٣٥ تقل فرص الزواج. وأوضح أنه في السابق كان يغيب المستشارون، لكن في كل أسرة يوجد مرجع يقوم العلاقة بين الرجل والمرأة.
التواصل الاجتماعي
وحذر من أن بعض المشاهير في التواصل الاجتماعي يهدمون العلاقات الزوجية، عبر التعبير عن آرائهم غير المسؤولة والمدروسة، الأمر الذي ينتج عنه الطلاق؛ لعدم اختصاصهم وجهلهم، ويجب على الزوج والزوجة الرجوع إلى المختصين وعدم أخذ الاستشارات عن طريق وسائل التواصل.
ولفت إلى انتشار الاضطرابات النفسية بين الكثير من الرجال والنساء والشباب، مبينا أن وجود خلل بين الأب والأم يؤدي إلى اضطراب الأبناء نفسيًا، وما يسمى في علم النفس «المثالية العالية» هي المولد الرئيسي للاضطرابات النفسية.
إجراءات أسرع
وأضاف إن أسباب الطلاق مختلفة كلياً في عصرنا الحالي، مقارنة بـ١٠ أعوام سابقة، وأصبحت الإجراءات أسرع، إذ ترفع القضية في البيت عن طريق ناجز. وأضاف إن الطلاق يحدث سواء كان طلاقا من الرجل للمرأة بشكل مباشر أو الخلع من المرأة وتعيد مهرها كامل للرجل، والأمر الثالث من المحكمة يسمى فسخ نكاح الأمر الذي يتخذه القاضي دون الرجوع للزوج.
جيل متزن
وشدد د. القرني على ضرورة تعزيز مفهوم العلاقة الزوجية والأسرية عبر الصحف والقنوات الفضائية واللقاءات وورش العمل، ويجب على الرجل أن يقوم بدوره وتقوم المرأة بدورها، وبالتالي ينشأ لنا جيل متزن نفسياً.
اختلال توازن التنمية الوطنية
لفتت الكاتبة الصحفية د. لمياء البراهيم، إلى أن الدراسات السابقة أكدت أن العامل الاقتصادي لم يكن المؤثر الرئيسي كسبب لتأخير الزواج، والدليل أن ظروف كورونا قللت من مصاريف الزواج، مع هذا لم تؤثر في زيادة الإقبال على الزواج، والانفتاح قد يكون سببا وكذلك تحمل المسؤولية لكن تحديد الأسباب وترتيبها بحاجة لدراسة وطنية، نتمنى أن تتبناها الجهات الحكومية مثل مجلس شؤون الأسرة.
وأضافت د. البراهيم، من الآثار السلبية لانخفاض معدلات الزواج سيتأثر معدل النمو السكاني، ما يؤثر على حيوية المجتمع، كما تتطلب الرؤية الوطنية ٢٠٣٠، حيث سيزداد عدد المسنين ويقل عدد الشباب القادر على العمل، وبذلك يختل توازن التنمية الوطنية، إضافة للمشاكل على المستوى الأسري والفردي.
وأكدت أن للأسرة في العصر الحاضر دورا في عزوف الأبناء عن الزواج، فالرفاهيات وعدم تحميل الأبناء والبنات المسؤولية مع منحهم الماديات والرفاهيات بدون تنظيم؛ يصعب من الرغبة في الخروج من دائرة الراحة الأسرية، للارتباط بمنظومة الزواج التي تتطلب الالتزام والتضحيات.
وأشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة إعلامية تساهم في التغيير الفكري، وتأثيرها نسبي يعتمد على المرونة في تقبل الأفكار وتبنيها والمرونة الفكرية والحوار، وقد تكون سببًا بسبب الانفتاح على أفكار جديدة في المجتمعات المنغلقة، والتي بها خلل في منظومة الحقوق والتسلط.
ارتفاع سقف التوقعات
أوضحت الكاتبة الصحفية د. نوره الهديب، أن أحد أسباب العزوف عن الزواج هو رفع سقف التوقعات، والمفاهيم الدخيلة التي غيّرت بعض القناعات والمبادئ عند بعض الشباب والفتيات، ومحاولة إثبات الذات خاصة عند الفتيات والمُناداة بالاستقلالية من خلال التجرد عن المنهج الصحيح والمُتّفق عليه بين المرأة والرجل.
وقالت د. الهديب، لا بد من دور المجتمع في المبادرات المؤسسية والتدريب والمحاضرات التوعوية، ذات المحتوى المُستحدث لمعطيات هذا الزمن، الذي نعيشه. فالمحتوى التقليدي المتعارف عليه، أصبح لا يجدي نفعاً لأنه لا يتوافق مع واقع المشاكل والخلافات الزوجية في الوقت الحالي. وتقديم التجارب بأنواعها لتطوير الشباب والشابات المقبلين على الزواج.
نشر ثقافة القناعة
ذكرت المستشار الأسري والتربوي ماجدة الشخص، أن البذخ الحاصل في مناسبات الزواج أدى إلى إثقال كاهل رب الأسرة، وهو الوالد غالبا سواء والد العروس أو والد العريس، على اعتبار أن أكثر الشباب الآن غير قادرين على تحمل مصاريف الزواج بسبب كثرة المتطلبات التي فرضها العرف والمجتمع، وابتعدت عن الشرع بمسافة كبيرة، وأن الأهل هم من يتحمل هذه الأعباء، وتبدأ معاناة الأسر منذ بداية هذا الارتباط المقدس، كما أن السلبيات الناتجة عن البذخ في حفلات الزفاف أدت الى الإسراف في عدة أمور مثل العشاء، التوزيعات، الضيافة، الكوشة، الفستان، المصورة وغيره، مما أدى إلى عزوف الشباب عن الزواج بسبب كثرة البذخ وارتفاع متطلبات العروس عن حدود الإمكانيات، وأيضا عزوف الفتيات بسبب ارتفاع سقف الطموح في متطلبات حفلات ما قبل الزواج وفي الزواج وما بعده.
وأضافت إن متابعة الفتيات للمشاهير وحفلاتهن يؤدي إلى جعلهن قدوة يحتذين بهن وبترفهن المزعوم، كما أن ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتيات، والبعد عن السنة النبوية والبساطة في المعيشة وتسهيل أمور الزواج، أدى إلى كثرة حالات الطلاق التي انتشرت بين المتزوجين حديثا، بسبب الاهتمام والتركيز على المظاهر، ونسيان وتلاشي ثقافة تحمل المسؤولية وأساسيات السعادة الزوجية واحتواء المشاكل الأسرية.
وأشارت إلى أن أفضل الحلول لهذه الظاهرة، تخفيض أسعار قاعات الزفاف وتوابعها، والقيام بعروض التخفيض للمتزوجين حديثاً، والتنازل عن تعدد الحفلات واقتصارها على حفلة أو حفلتين كحد أقصى وتحديد عدد الضيوف للتقليل من التكاليف، وأيضاً نشر الوعي بثقافة القناعة والعودة إلى السنة، والتنازل عن المظاهر المبالغ فيها في حفلات الزفاف، والابتعاد عن البذخ والتكاليف التي تثقل كاهل الشباب.
التزامات وشروط
أضاف المواطن هادي الوبري، إن من أسباب الطلاق، التكلفة والمهر وما يترتب عليها من التزامات وشروط، وتقليد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في طلبات عدة مثل السفر والبيت الكبير والأثاث الراقي، وهو ما يشكل عبئا طائلا على الزوج، خصوصا إذا كان موظفا بسيطا ولا يستطيع تلبية المتطلبات، وبعدها تبدأ المشاكل إلى أن تصل للطلاق.
التفاخر بالمظاهر والأموال
ذكر المواطن معاذ راشد، أن المتطلبات الزائدة لإقامة حفلات زفاف باهظة الثمن زادت في الآونة الأخيرة، بسبب متابعة حفلات زفاف المشاهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومقارنة حياتنا بحياتهم مع عدم مراعاة الفروق من ناحية الدخل الاقتصادي للشاب والفتاة، وعدم الشعور بالكمال والوضع في الحسبان أن الزواج هو فرحة واستقرار وليس للتفاخر بالأموال والمظاهر.
الاحتفال حسب المقدرة
أكد المواطن بندر الحربي، أن حفلات الزفاف تُقدر حسب مقدرة الزوج والزوجة والمستوى المعيشي الذي تربى عليه كل منهما، كما يجب ألا نطلق عليه بذخا أو تفاخر بالأموال أو المقارنة بين تكاليف حفل زفاف فلان وفلان من خلال متابعتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن لكل شخص حرية الاختيار، وإظهار ما يريد عبر حسابه الشخصي، ولا يجب أن تتم مهاجمته فقط لكونه أظهر ما لديه للعلن.
التوصيات:
إجراء دراسة وطنية لتحديد المسببات
التوعية بقيم العلاقة الزوجية والأسرية
تحمل الزوجين المسؤوليات
تخفيض المهور وتكاليف الزواج
تعزيز ثقافة القناعة بالمجتمع
استشارة المختصين
مكافحة المفاهيم الدخيلة