@baderaldoossary
دخول الغابة بالماضي كان متعة تأسر القلوب، حيث جمال الطبيعة التي تتصف بها، ولم يغيِّر بها قاطنوها الكثير، وكان ساكنوها يتعايشون مع الآخرين، كل كائن حي على حسب فِطرته وطبيعته التي خلقه الله عليها. وعندما تتجوَّل في جنباتها تشاهد روعة الأشجار وأغصانها، وعبير الأوراق وعبق أزهارها، وعطف الكبار على صغار القاطنين في أرجائها، وحتى الدخول في أدغالها الوعرة يُستسقى منه العديد من الدروس التي يمكن أن تتعرف فيها على كيفية التعامل مع المخلوقات المفترسة، التي رغم شراستها فإن الأوضاع الصعبة التي قد تشاهدها لأوضاع المخلوقات التي من حولها في الغابة في لحظات رغبتها بافتراس فريستها، تنزل الرحمة في قلبها، وتجعلها تتراجع عن الانقضاض على فريستها.
وعندما تستنجد المخلوقات البسيطة بطريقة رؤيتها لمَن حولها، سوف تجد الغالبية يسرعون لإغاثتها.
أما الغابات في زمننا الحاضر، فعندما تُقبل على حدودها من الخارج، تجد أن قاطنيها قاموا بتغييرات جذرية فيها.
أو للوهلة الأولى فإنها تُبهرك في تخطيطها الخارجي؛ مما يجعلك تتخيَّل أن كل ما سيمر عليك في جنباتها يُدخل عليك السرور، ويجعلك تتخيَّل أنك في غابات أفلاطون العظيمة.
وبعدما تقرر أن تسكن في هذه الغابة الحديثة، وتبدأ بمعرفة أنظمة العيش فيها، تتوقف لوهلة وتقول: لو شاهد سكان الغابة في الماضي جمال غابتنا الحديثة لتمنَّى كل سكانها أن كانوا في معنا في زمننا الحالي.
ومع الأيام بدأ يكتشف قاطنو تلك الغابة الحديثة أن المخلوقات التي حولها ليست على فطرتها التي عُرف عنها، وأن قيم الغابات في الماضي بوضعها الطبيعي، أفضل من القيم الزائفة التي يتغنى بها بعض كبار قاطني الغابة الحديثة، والتي في ظاهرها الإبهار، وفي باطنها الظلم والتعالي على صغار قاطني تلك الغابة.
فشتان بين غابة الماضي والحاضر؛ لأن بعض المتنفذين في الغابة الحديثة تخلّوا عن ممارسة قِيَم التسامح والرحمة والعدل بين قاطنيها، فنتج عن ذلك اختلال الموازين؛ مما جعل بعض سكانها يقررون الرحيل بحثًا عن غابة جديدة تتبنى قيمًا غابت في الماضي العريق.
ولكن قاطني الغابات المخلصين تبقى قيمهم راسخة ومتينة، مهما كانت بيئة الغابة، ومهما مرَّت عليهم الرياح العاتية؛ لأنهم يدركون ثمار التمسك بقيم الغابات العريقة.