@azmani21
تغنى بها الشعراء، وأبدع في وصفها الواصفون، وهام في عشقها الكثيرون، وكلهم مُحقِّون، إنها الساحرة السمراء، فهي عند التاجر من أثمن السلع، وعند العاشق من أجمل العطور، وعند الكاتب من الضروريات، وفي المجالس من الواجبات.
القهوة هي تلك الحبوب السمراء المعشوقة، والتي تخفي من ورائها قصصًا وأشعارًا ودروسًا وتجارة تفوق الوصف، فأسطورة اكتشافها تعود إلى قرابة ٨٥٠ للميلاد، عن طريق راعٍ من بلاد الحبشة، شاهد النشاط الذي دبَّ فجأةً في إحدى عنزاته بعد أن تناولت بعض الحبات من تلك الشجرة، وهو ما دفعه لتجربتها، فلاحظ التأثير المنشط للكافيين الموجود في كرز نباتات البن عليه، ولعل قرب الحبشة من اليمن ساهم في نقل هذه النبتة إليها، فزرعت هناك وانتشرت، وهو ما جعلها تنتشر لدى القبائل العربية فيما بعد، كما أن العثمانيين نقلوا القهوة معهم إلى أوروبا، ولعل التجار العرب هم مَن قاموا بنقلها إلى شرق آسيا، وأنها انتقلت كذلك مع البرتغاليين والإسبان إلى أمريكا الشمالية والجنوبية كذلك.
وتعتبر القهوة من أهم السلع الزراعية تداولًا في العالم، فهي تأتي في مقدمة التداولات الزراعية، والثانية بعد النفط بحجم تداول بلغ ١٠ ملايين طن بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، وتبلغ قيمة سوق القهوة اليوم أكثر من ١٠٠ مليار دولار سنويًّا، ويتم تداولها في بورصات نيويورك التجارية وسنغافورة والبرازيل، وتُزرع الآن في أكثر من ٥٠ بلدًا حول العالم، وتحتل البرازيل قائمة الدول المنتجة للقهوة بأكثر من ٣٥٪ من الإنتاج العالمي، ثم تأتي بعدها فيتنام فكولومبيا فإندونيسيا، والغريب أن الدولة التي اكتشفت فيها تأتي في المرتبة الخامسة، بحسب موقع "فنتشوال".
ولكون عُشَّاق القهوة كثرًا، فقد نشأ معها سوق آخر، غير سوق تجارة حبوب البن، ألا وهو سوق المقاهي، فخذ على سبيل المثال شركة ستاربكس التي بدأت عام ١٩٧١م، والتي تمتلك حتى نوفمبر٢٠٢١ أكثر من ١٦٢٢٦ فرعًا في ٨٤ دولة، منها ١٥٤٤٤ فرعًا في أمريكا و١٥٤ فرعًا في السعودية، كما شجع الإقبال على القهوة لافتتاح مقاهٍ كثيرة في كل دول العالم، بما فيها المملكة، والتي على وجه الخصوص، فمن خلال سجلات وزارة التجارة يوجد ٢١٩٤٤سجلًا تجاريًّا للمقاهي، وهو ما يُعدّ ظاهرة تدل على حجم هذا السوق في المملكة.
ختامًا، ستبقى الساحرة السمراء رمزًا للكرم العربي والعراقة العربية الأصيلة، وستبقى بكل أشكالها عشقًا وحبًّا لا ينتهي، كما قال محمود درويش: القهوة كالحب؛ قليل منه لا يروي، وكثير منه لا يُشبِع.