أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ د. بندر بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاء مرضاته والبعد عن سخطه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة، التي ألقاها بالمسجد الحرام إن مِن خير ما يُحْرِزُ العبد ويَنال: يقينٌ يَرقَى به رُتَبَ الكمال، يقينٌ يكونُ للنفس صُبحًا ونُجْحا، وغُنْمًا ورِبْحا.
فاليقين: سكون الفهم، واستقرار العِلم، واطمئنان القلب لما جاء عن الله ورسولِه، هو لُباب الإيمانِ ومَخبَرُهُ، وحقيقته وجَوهرُه تَنافَس فيه المتنافسون، وشَمَّر إليه المُجِدُّون، وتَفاضَل به العارفون إنه سببٌ لدخول الجنة، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرةَ رضي اللهُ عنه: (اذهب بنَعليَّ هاتين، فمَن لقيتَ مِن وراء هذا الحائطِ يشهدُ ألا إله إلا اللهُ مُستيقنًا به قلبُه فبشِّرْه بالجنة) أخرجه مسلم.
وقال أبو بكر - رضي اللهُ عنه -: (قام فينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ثم بكى، فقال: اسألوا اللهَ العفوَ والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية) أخرجه الترمذيُّ وحسَّنه.
وأكد أن اليقينُ لا يُنالُ إلا بيقين! عِلمًا بالله عز وجل، وعملًا بطاعته، ومُجاهَدةً للنفس والشيطان والهوى, ألا إنَّ له لأطيَبَ الفوائد، وأزكى العوائد: فبه الهَناءُ في الدارين.
قال ابنُ القيمِ - رحمه الله -: (لا يَتم صلاح العبدُ في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقينُ يدفعُ عنه عقوباتِ الآخرة، والعافيةُ تدفعُ عنه أمراضَ الدنيا من قلبه وبدنه) وباليقينِ الانتفاعُ بآياتِ الله، والاهتداءُ بأنوارها، قال تعالى: (يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون). وقال تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين).
وبيّن د. بليلة أن مَن حَقَّق اليقينَ حازَ التوكُّل، ووَرِث الصبر، ووثِقَ بالله في أمورِه كلِّها، واستحالت البَلايا في حقِّه إلى عَطايا، والنِّقَمَ إلى نِعَم، وكان مِن أغنى الناس وإن لم يكن له حظ في الدنيا.
وأشار فضيلته إلى أن مما يُضادُّ اليقينَ ويُناقِضُه: تعلُّقَ المخلوقِ بغير خالقه، والتفاتَ قلبِه إليه، وتطلُّعَه إلى ما في يديه، ومَن أرخى سمعَه وقلبَه إلى الأباطيل والشُّكوكِ والشُّبُهات، وقع في الرَّدى والهَلَكات!
فشرُّ الأمورِ أكثرُها شَكَّا ورَيْبا، وخيرُها ما أَسْفَر عن اليقين، وفي التنزيل الحكيم: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون).
خطبة د. الثبيتي من المدينة
وفي المدينة المنورة، نبّه فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالباري بن عواض الثبيتي من مخاطر المجالس الافتراضية، التي تُبثُّ عبر منصّات التواصل الاجتماعي، والإيقاع بالناشئة عبر أساليب تزرع الفتنة والعصبية الجاهلية، والإلحاد، وتنشر الأهواء المظللة، وتفتّت لحمة المجتمع, والترابط الأسري.
وأوضح فضيلته أن الإسلام أعطى كل ذي حقٍ حقّه، وجعل للجلوس على الطرقات آداب تشمل أدب الطريق والاجتماع والحق المشترك، ومن ضروب الجلوس على الطرقات المجالس الافتراضية عبر شبكات التواصل الاجتماعية، التي برزت في عصرنا الحاضر، وقد تجاوزت الحدود، واخترقت الحصون، وتفجّر تأثيرها، لكل أناس فيها مشربهم.
والمجالس الافتراضية تستقى منها الأخبار، وفي ردهات غرفها يتداول المتحاورون الأفكار، وتوطّدت علاقة بعضهم بهذه الوسائط، بل يشعر بأنه لا وجود له إلا بها، ولا يطيب عيشه إلا من خلالها، فنسي المرء ذاته، والأنكى التقصير في حقّ الخالق مسدي النعم، قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ).
في هذه الوسائط الشبكية مجالس خير وعلم تثري العقل، وتنمي المعرفة، أقبل عليها العقلاء فزاد إيمانهم، وسمت أخلاقهم، وفيها مجالس تزعزع العقيدة وتضعف الإيمان وتنتهك المحرمات وتدنس الفضيلة والحشمة، لا حصر لصورها ولا يتسع المقام لعدّها.
ومن صور الاعتداء على حرمة الآخرين، تتبّع عوراتهم، والتشهير بأعراضهم والإٍساءة لهم بالتصوير وغيره، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).
وأضاف في بيان مساوئ هذه المجالس الافتراضية أنها تفضي إلى كشف أسرار البيوت، والمباهاة بمركوب أو مشروب أو ملبوس, ونشر حياتهم الشخصية سعياً وراء الشهرة، ولا يزال المرء في عافية وفسحة من دينه إن هو ستر على نفسه حتى يجاهر بالمعصية، وهذا ينافي معاني الإخوة، ويفتّت لحمة الوطن، قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
ومنها ما يفضي إلى شائعة مغرضة، أو يفضي إلى نشر الفاحشة بين الناس، ويساهم في نشرها من حيث لا يشعر، وتهييج ضد الأمن والاستقرار، وبث الأكاذيب المضللة، ومنها ما اشتمل على ما ينافي أحكام الدين كالاختلاط بين الجنسين بالصور المحرمة والفنّ الهابط، فهذا كلّه ينافي آداب المجالس.
وبيّن فضيلته أن التهاون في التعامل مع هذه الممارسات، التي تدور في المجالس الافتراضية قد يوقع في شرّ مستطير لإيقاظ فتنة نائمة، وسنّ سنة سيئة يعمل بها من بعده، فلا يزال الإنسان عليه وزرها ووزر من عمل بها في حياته وبعد موته ولا يصرفه من الوزر إلا انقطاع عمل الناس بها.
وقال تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ? أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)، وقال جل وعلا: (نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)، وأضاف أن من مساوئ هذه الوسائط هدر الأوقات، وإضاعة العمر فيما لا طائل فيه ولا ثمرة ترجى، هذا إن سلم القلب والعقل والعمر.
كما بيّن أن جميع المصالح تنشأ من الوقت، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه، والخطر الأدهى مَن يشارك أهل الغفلة في هذه المجالس من أهل الأهواء والبدع والشبهات، بحجة أنه يقارع الفكر بالفكر، فما يلبث أن يفتن ويقع في حبائلهم ويألف كلامهم.
وقد يصل الحال به أن يتردى في أوحال الكفر من الاستهزاء بآيات الله وإنكار وجود الله حتى يصل به الأمر إلى الإلحاد والعياذ بالله، فمن رضي بالجلوس في هذا المكان، الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، فهو مشارك لهم ولذا وجب الإعراض عن هذه النوعية من المجالس.
وبيّن فضيلته أن هذه المجالس الافتراضية والمنصات المشبوهة تستهدف قلب الأمة وفئة الشباب لسرعة تأثرهم, وحماسهم الدافق، ويمرّر الخطر عبر مشوّقات تهفو إليها نفوسهم من أعمال تتّسم بالتحدّي، وألعاب شبكية من خلالها يتسلّل إلى الشباب الفكر الشاذّ، والانحراف في السلوك، والإعاقة العقلية.
وأوضح الشيخ د. عبد الباري الثبيتي أن المأمول تجاه هذه الممارسات والأفكار الهدّامة، التي تروجها المنصّات هو التصدي لها بحملات توعوية وإرشادية تغرس في النفوس مخافة الله، وتقوّي الوازع الديني، وتعزّز الأخلاق مع هجر الجهات المشبوهة والشركات، التي تروج للشرّ من خلال هذه المنصّات.