التعاطف من أكثر العواطف ثورية، فهو تبادل حر للقلوب يشفي تقرحات الحياة، التعاطف فعل نبيل يحررك من الاستغراق في الذات وينقلك إلى فضاء الإنسانية الرحب فتقف في مكان الآخر وتشعر بقلبه وترى بعينيه.
كلما كنا أكثر إدراكا لمشاعرنا وأكثر قدرة في قراءتها كنا أكثر مهارة في إدراك مشاعر الآخرين والتعامل معها، إذا كنت من الأشخاص الذين لا يملكون الإدراك الذاتي فمن المؤكد أنك ستصاب بالتبلد تجاه الآخرين ولن تستطيع التقاط أشكال الإشارات العاطفية والإيماءات التي يصدرها الناس حولك مما يشكل نقصا في التوافق العاطفي مع الآخر ويقوض العلاقات الاجتماعية.
يبدأ التعاطف في الظهور منذ الطفولة المبكرة، فكم مرة رأيت طفلا يمسح على وجهه دموعا يتوهم وجودها عندما تبكي أمه، أو يعبر عن حزنه ببكاء طفل آخر فيدس رأسه في حجر أمه، أو يمسح على رأس الطفل الباكي ويربت على كتفه، وجود التعاطف لدى الأطفال هو دلالة نفسية واضحة على جودة التكيف النفسي.
أهم الدروس العاطفية التي تبنى عليها التوقعات العاطفية في النضج تكون في تلك اللحظات الحميمية بين الأطفال ووالديهم، عندما يقوم الأهل بمحاكاة مشاعر الأطفال يدرك الأطفال أن مشاعرهم تقابل بالقبول والتعاطف والتبادل مما يعزز التكيف الذي يعتبر مؤثرا كبيرا على التركيبة النفسية للطفل، حتى أن تأثيره قد يتجاوز تأثير الأحداث الأكثر درامية في حياة الأطفال.
التعرض للإهمال العاطفي وافتقاد التعاطف مع الأطفال يساهم في تشكيل نموذج مشوه للعلاقات الإنسانية في المستقبل، لذلك يجب تداركه والقيام بتجربة إصلاحية تعزز التناغم العاطفي مع الطفل، كما أن التعرض المكثف للتهديدات والإهانة والاستغلال العاطفي قد ينتج توجها عكسيا، حيث يولد لدى الأطفال يقظة زائدة وحادة تجاه كل ما يشكل نوعا من التهديد بالهجران مما يعزز المخاوف والتعليقات المرضية والتشبث القهري ويعيق الاستقلالية والنمو النفسي.
وقد أثبتت العديد من الدراسات النفسية افتقار المتحرشين والمغتصبين والمجرمين للتعاطف مع ضحاياهم وإصابتهم بالجمود العاطفي الذي يحجب ظهور أي مشاعر باستثناء بعض الروابط السطحية والضحلة التي لا تؤثر كثيرا على مستوى الفعل. التعاطف يعزز ويدعم الحكم والتصرف الأخلاقي ويجنب الشخص إيذاء الآخرين.
شعور التعاطف يتطلب قدرا من الهدوء لتستطيع الاستقبال، والتقاط الإشارات التي تكشف مشاعر الطرف الآخر ثم تستطيع قراءتها ومحاكاتها والاستجابة لها انطلاقا من جسدك العاطفي، حالات الغضب الحادة والاستجابات القوية تتراجع فيها نسبة التعاطف وربما تنعدم تماما.
بجانب التعاطف العاطفي الذي يركز على الحالة العاطفية ولا يحتاج لدرجة من الإدراك فهو متجذر في الخلايا العصبية للإنسان منذ الطفولة، نجد أيضا التعاطف المعرفي الذي يركز على تفهم الموقف العقلي للأشخاص وتفهم طريقة تفكيرهم وقد يفيدك على مستوى الأعمال والسياسة والمفاوضات، لكنه سيظل قاصرا يفتقر إلى الوعي العاطفي بمشاعر الآخر.
أخيرا، سأدعوك إلى ممارسة التعاطف الوجداني الذي يتجاوز النوعين السابقين ويرتقي على أشكال التعاطف الأخرى، حيث إنك لا تشعر بعواطف الشخص وتفهم موقفه العقلي فقط بل تعمل وتبادر للمساعدة، وهذا هو التجسيد المثالي للتعاطف في معظم الأوقات، لأنه الأكثر فاعلية ويترك أثرا إيجابيا على الموقف.
وتذكر دائما، تعاطفك سيجعل العالم مكانا أفضل.
@Walla Gassim