لمحة سريعة على افتتاحيات الصحف العالمية وعلى آراء المحللين في القنوات الإخبارية تعكس لنا صورة سوداوية عن الفترة الحرجة التي تسود عالم اليوم، لا سيما ما يتعلق باندلاع حرب كونية ثالثة، وهنا يبرز عاملان مهمان في قراءة الموضوع، ، أحدهما يتعلق بالماضي لو افترضنا نظرية التاريخ يعيد نفسه، والآخر يختص بالمستقبل لو أخذنا بمؤشرات التنبؤ تجاه مآلات الصراع الدولي.
التاريخ حركة مستمرة ومتغيرة ولا تأتي أحداثه متشابهة بصيغة متطابقة، بيد أن ثمة عوامل متكررة في صيرورة التاريخ تعطينا عند تأملنا في أحواله انطباعا عن تكرار حالة ما، وهذا ما يطلق عليه مقولة التاريخ يعيد نفسه، وفي حالة الصراع الدولي كطبيعة تاريخية منذ نشوء مفهوم الحدود الدولية تتكرر الأحداث أحيانا مع اختلاف حيثياتها طبعا بسبب ثبات الجغرافيا، بمعنى أن الجغرافيا هي سبب أساسي في إعادة التاريخ لأحداث معينة في زمنيات مختلفة كحالة في طبيعة الصراعات الدولية، في قديم التاريخ أو حديثه، فالقارة العجوز هي شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولى والثانية، وهي اليوم تحت صفيح ساخن، ومن هنا تظهر مخاوف أن يعيد التاريخ نفسه في هذه الجغرافيا لتصبح سببا في حرب ثالثة!!
قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية وقع هتلر ألمانيا مع ستالين روسيا اتفاقية تقتضي بتقاسم بولندا بينهما، وفسر المؤرخون أهمية بولندا كونها جغرافيا استراتيجية تتمثل بخاصرة أوروبا، ولذا كانت هي الشرارة الأولى لاندلاع الحربين السابقتين، ومن هنا يخشى الأوروبيون أن القيصر يحارب في أوكرانيا وعينه على خاصرتها، كاستدعاء للتاريخ القديم واستحضاره في تفسير الصراع الدولي في أوروبا، أما المخالفون لهذا التوجه فيرون أن الخطر الحقيقي يكمن في كوريا الشمالية بنظامها الذي لا ينفك عن استعراض تهوري لقوته النووية بين الحين والآخر.
العامل الآخر هو التنبؤ المستقبلي عبر مؤشرات الأوضاع الحالية، وهنا تظهر أهمية المتغيرات التي فرضت ذاتها على الواقع الحالي، وهنا تبرز الصين كأهم متغير في عالم اليوم، فخلال الحربين السابقتين لم يكن للصين أي دور محوري في تلك الحروب، وللقارئ الكريم أن يتخيل أن دولة صغيرة الجغرافيا كاليابان قد غزت الصين خلال فترة ما، أما واقع اليوم فمختلف تماما، فالصين دولة محورية في واقع الصراعات الدولية الحالية من خلال مشاريعها الخارجية التي ترجمتها عبر الحزام والطريق لترتبط مع أغلب دول العالم اقتصاديا بعد أن ظلت قرونا وهي منعزلة خلف سورها العظيم، كما أنها نجحت في أن تتحول إلى مصنع العالم لتغذي معظم الأسواق العالمية بفضل نجاحها في تطبيق برامجها التنموية بعد أن حولت القوة البشرية الهائلة من عامل عبء اقتصادي إلى ثروة لا تقدر بثمن!!
وفي الختام، ، رغم كل هذه السوداوية لدى أغلب المحللين تجاه اندلاع حرب ثالثة إلا أن هناك أسبابا عديدة تمنع حدوثها، ولعل الوعي العام بخطورة هذا السلاح الفتاك هو أهمها، فأي تهور في استعماله سيجلب الدمار للجميع، ولن يكون هناك منتصر على الإطلاق!!
@albakry1814