@SaudAlgosaibi
ليس كل يوم نشاهد الماضي، ونرى هيئة تلك المباني القديمة على حالها، ونرى الناس بأزياء ما عادت تصنع، وكأننا دخلنا آلة زمن وعبر بوابة. هيرمان بورخارت ذلك الرحَّالة الألماني المهووس بالتصوير، أخذنا عبر عدسته إلى بُعد آخر، ففي مطلع عام 1904 زار الأحساء ليصوّر أجملها وأقدمها للمنطقة. ولم يقف هنا، فمن خلال ملاحظته ومحاضرته وصف منتجات المنطقة، ومدينة الهفوف ذاكرًا أجمل نعت ووصف لها. زار بورخارت وصوَّر من خلال رحلته للمنطقة ميناء العقير ومدينة الهفوف، كما زار وصوّر جبل قارة وجبال الأربع وعين نجم وأم سبعة.
جاءت رحلة بورخارت ضمن رحلة إلى مدن الخليج العربي، زار من خلالها البصرة ثم بحرًا إلى الكويت فراس تنورة، فالبحرين فالعجير. ومنها برًّا إلى الأحساء، إلا أن مجموعته التصويرية تبعثرت، وفقد المذكرات بعد مقتله أثناء رحلة أخرى له لليمن. تبرع بعدها بعددٍ من السنوات ابن أخت له بمجموعة من اللوحات الزجاجية لإحدى مكتبات ألمانيا، وظلت حبيسة المخازن.
ومما صعب إعادة نشرها عدم وجود مذكرات مكتوبة أو ملاحظات للتعرف على أماكن التقاط الصور.
في عام 2000م، تم اكتشاف مذكرات للرحالة أستعين بها للتعرف على أماكن التقاطها وقصتها.
على أثره، صنّف كتاب باللغتين الألمانية والإنجليزية عن رحلته لمدن الخليج العربي، ترجم للعربية، واحتوى على تعليقات ومذكرات ونَصّ المحاضرة التي ألقاها في الجلسة العمومية للجمعية الجغرافية في برلين بتاريخ 3 فبراير 1906م، بعنوان رحلاتي الخاصة إلى شبه جزيرة العرب من البصرة حتى مسقط.
كانت الهفوف عندما زارها بورخارت يقطنها 30 ألف شخص يزاولون العديد من الأعمال، أغلبها من خلال المنازل، كما ذكر وكأنها بالوصف موقع ورشة كبيرة، ومن خلال تعريف اليوم أسر منتجة، كما وصف تمر الأحساء بأنه أفضلها مذاقًا، وأن العناية بالنخيل هائلة، وذكر منتجات لم تعُد تُزرع بها اليوم.
ومما ذكر في محاضرته التي ألقاها في الجمعية الجغرافية في برلين عام 1906 ما نصه «تمتد واحة الأحساء على مساحة واسعة جدًّا، وآجام النخيل المشتبكة الرائعة تمتد لمسافة ساعات من المسير، تتخلل بينها بعض مزارع قصب السكر، والحنطة، والتيلة، وهناك أيضًا بعض الفواكه كالعنب، والمشمش، والبطيخ، والتين، ونوع من الليمون السميك القشر، وأما الخضار فمنها أصناف قليلة.
وفي جميع الأرجاء تجري جداول المياه الرقراقة، وثمة أسماك صغيرة ملونة وسلاحف تتواثب في المياه العميقة التي تبلغ درجة حرارتها 30-32° مئوية».
كما ذكر أن النقود المتداولة كانت ريالات ماريا تيريزا، والنقود الرمزية الهندية، وكذلك الطويلة، وهي أقدم عُملة متداولة، ومعدل صَرفها كان 100 منها مقابل ريال فضي واحد.
ومما أضاف في محاضرته أن سوق الهفوف يقع «بظاهر أسوار حي الكوت، وهو سوق غير ذي شأن، إذ إن الأعمال التجارية تتم غالبًا في الدور. وبين الكوت والسوق يوجد سوق الخميس، وفيه تحت العرشان المصنوعة من خوص النخيل، تُباع جميع أصناف المواد الغذائية، ومن بينها الكثير من السمك والربيان المجفف القادم من القطيف».
للمهتمين ولزوار الأحساء تلك الصور ستكون معروضة بالأحساء من قِبَل جمعية الآثار والتراث بالمنطقة الشرقية، بعد أن وضحت صور الأبيض والأسود، ولوّنت باستخدام التقنيات الحديثة في جبل جواثى من أرض الحضارات، أثناء مناسبة كأس العالم، وبعد منتصف الشهر الحالي.