وسط جمع غفير يوم الجمعة الماضي، وُوري الثرى في مقبرة الثقبة بالمنطقة الشرقية، جثمان الأديب الراحل الأستاذ عبد الله الخالد، عن عمر يقارب السبعين عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء وخدمة الوطن.
لم أتشرف شخصيًّا بالعمل مع الأستاذ عبد الله الخالد، خلال رحلة عمله في أرامكو السعودية، التي امتدت قرابة 25 سنة، ولكني التقيت به أكثر من مرة، وأعرف عددًا من الأصدقاء والزملاء الذين عملوا معه وتحت قيادته، وله بصمات باقية في تاريخ النشر والعلاقات العامة بأرامكو السعودية.. وهو ممّن تدين لهم مجلة "القافلة" بحقبة زاهية من تاريخها المتميز.
رئاسة الخالد لمجلة القافلة
اتشحت حياته المهنية بوسامين، هما شعر الطفولة، ورئاسة تحرير مجلة "القافلة"، فترة رئاسته تحرير "القافلة" كانت بعد نحو سنة من تحول أرامكو من شركة أمريكية إلى شركة سعودية، لذلك حرص على سعودة طاقم العمل في المجلة بالكامل.
كما شهدت فترة رئاسته لمجلة القافلة تنويعًا في مادتها الثقافية، والتركيز على المواد العلمية، وتحسين الإخراج الفني واعتماد الصور الأصلية بدلًا من الصور المستخدمة في بعض المجلات.
واختير الخالد ضمن 4 شعراء على مستوى الوطن العربي في مسابقة لتقديم شعر للأطفال، لمشروع موسوعة شاملة تضم الآداب والعلوم.
وبات عدد من أشعاره مستخدمًا في عدد من الدول، دون الإشارة إلى اسمه، فضلًا عن انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع التعليمية المتنوعة، كان كثيرًا ما يتبادل الشعر مع صديقه المقرب جدًّا في الحياة والعمل الأستاذ جبر جمعة "رحمهما الله".
عمله في أرامكو
يتصادف ميلاد الراحل الأستاذ عبد الله خالد الخالد مع ميلاد مجلة القافلة، وهي تقترب هذا العام من عامها السبعين، وتحكي المجلة في عددها الخمسيني الصادر في سبتمبر- أكتوبر 2002.. أنه في العام 1989 تسلّم الأستاذ عبد الله خالد الخالد دفة «القافلة»، وبقي على رأس المجلة نحو 10 سنوات.
واستطردت المجلة أن الأستاذ الخالد من مواليد مدينة الزبير سنة 1953، وهو حاصل على شهادتي البكالوريوس في الآداب والماجستير في إدارة الأعمال، وأنه التحق بالعمل في أرامكو عام 1979 صدفة، عن طريق إعلان قرأه في إحدى الصحف.
وقرر قسم التوظيف أن يلحقه بقسم النشر بإدارة العلاقات العامة؛ نظرًا إلى نوعية اختصاصه، فبدأ حياته الوظيفية محررًا صحفيا في القسم، حتى أسندت إليه رئاسة تحرير مجلة القافلة وشقيقتيها، نشرتي القافلة الأسبوعية والحصاد، بعدها تولى منصب رئيس وحدة النشر العربي في العام 1989، بعد أن أثبت كفاءته العملية.
وقد ذكر الأستاذ الخالد أنه راضٍ عن مستوى المجلة، وأنها لن تصل إلى الكمال، ولكنه كان يتوقع منها التميّز المستمر، وأوصى بأن يدأب الجميع على الاهتمام بإيجاد عوامل تطوير وابتكار جديدة في عمل المجلة.
رئيس متميز ذو خصال رائعة
الزميل الإعلامي المشترك أحمد عابد شيخ، الذي ترأس العلاقات الإعلامية في أرامكو السعودية في فترة لاحقة، عمل تحت رئاسة الأستاذ عبدالله الخالد في نهاية الثمانينيات في وحدة النشر العربي، التي كان يرأسها حتى منتصف التسعينيات، وذكر أن الأستاذ عبدالله، رحمه الله، كان من الرؤساء المتميزين الذين عمل تحت قيادتهم.
وأضاف أنه عاصره في رحلات عمل ومهمات إعلامية وصحفية داخل المملكة وخارجها، ووجد فيه شخصًا يتمتع بصفات إنسانية رائعة كطيبة القلب ومراعاة الآخرين، وتشجيعهم على الإبداع والتميز والتفوق وهدوئه الجمّ، فهو قليل الكلام ومستمع رائع.
وذكر، أنه يتمتع بخصال الإيثار والتواضع وحبه للرحلات البرية واللقاءات الاجتماعية، بالإضافة لما يتميز به من قدرة أدبية وشعرية ولغوية وذاكرة متقدة مشهود لها.
تميّزه في شعر الطفولة وأدب الأطفال
وبالنسبة لتميز الأستاذ عبد الله الخالد في شعر الطفولة، فيقول: إنه بدأ في كتابة الشعر في مرحلة مبكرة من حياته في سبعينيات القرن الماضي، وفي فترة لاحقة، تمكَّن من ضبط أوزان الشعر وإتقان صياغته.
وفي مجال الشعر العام، كانت هناك مسابقة على مستوى العالم العربي لتقديم شعر للأطفال، لمشروع موسوعة شاملة تضم الآداب والعلوم، تقدم الأستاذ عبد الله ببعض الأشعار وتم اختياره ضمن 4 شعراء على مستوى الوطن العربي.
ولا شك أن أدب الأطفال يعتبر تخصصًا نادرًا، ترك فيه الأستاذ عبد الله الخالد بصمة للأجيال، فقد كان يرى - حسب ما ورد في لقاء له مع صحيفة مكة الإلكترونية قبل بضع سنوات- أنّ المملكة وأطفالها في أشد الحاجة لقراءة الشعر، الذي يعبّر عنهم وعن أحلامهم الصغيرة وطموحاتهم العملاقة.
ديوانان لأشعاره
وقد صدر له في ذلك ديوانان: الأول بعنوان «أناشيد الطفولة» والثاني بعنوان «القمر وقصائد أخرى للأطفال» الذي نشره نادي الدمام الأدبي.
يقول الأستاذ عبد الله الخالد: إنّ أهم شيء في كتابة قصائد الصغار، هو حبُّ الطفل، وأن تنزل إلى مستواه لتتعامل معه بمثل النفسية والعقلية التي يفهمها، يجب أن تعيش حياتهم لكي تنجح في التعبير عنهم.
وذكر الأستاذ عبد الله الخالد، أن عددًا من قصائده باتت مستخدمة في عدد من الدول، مثل الجزائر والمغرب، دون الإشارة إلى اسمه، فضلا عن انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع التعليمية المتنوعة.
وفي مجال الشعر أيضًا عُرف عن الأستاذ عبد الله إجادته لأشعار الغزل العفيف، وكذلك إجادته للزهيريات وهي من الأنماط المعروفة في الشعر العامي.
وكان كثيرًا ما يتبادل الشعر مع صديقه المقرب جدًّا في الحياة والعمل الأستاذ جبر جمعة، رحمهما الله، وكانت هذه الأشعار تتسم بالطرفة، حتى أن الأستاذ عبد الله جمعة الرئيس الأسبق لأرامكو السعودية، الذي عُرف أيضًا بتذوقه الشعر والأدب، شارك جبر جمعة وعبد الله الخالد في بعض الزهيريات.
كتابات الأستاذ عبد الله الخالد
وحينما تقاعد الأستاذ عبد الله الخالد مبكرًا، لم يترك العمل المجتمعي بل بدأ الكتابة في صحيفة "اليوم" في مقال أسبوعي، وكتب عشرات المقالات ذات الطابع الاجتماعي والاهتمام بالشأن العام في الفترة 2005-2008، وظل ناشطًا في العديد من اللجان والجمعيات والمشاركة في ندوات ثقافية ومعرفية يقدم فيها عصارة تجربته في الثقافة والعمل والإعلام.
والحديث عن الأستاذ عبد الله الخالد، رحمه الله، يطول ولا تتسع له مقالة، وتراثه لا يقتصر على ما تركه من أدب وعلم ونشر للمعرفة، بل أيضا ما تركه من بصمات في حياة أسرته وزملائه ومجتمعه.
ركيزة من ركائز جلسات جماعة الخطابة العربية
يقول الأخ عبدالله السلطان، الذي كان يرأس مجموعة الخطابة العربية في مطلع التسعينيات، وكانت مرتبطة بمجموعة التوستماسترز: كان الأستاذ عبد الله الخالد ركيزة من ركائز جلسات جماعة الخطابة العربية، وكان نعم الأخ والصديق والصاحب والرفيق لنا جميعًا بدماثة أخلاقه العالية وتواضعه الجم، ولباقته الفريدة في التعامل، وما يمتلك من حس إنساني نقي وقدرة على إدارة المواقف الاجتماعية جعلته قريبا من الجميع.
وأضاف: فقد كان مصدر إشعاع، ولا يمكن التعبير عن مخرجات لقاءاتنا به في تلك المواقع، وستبقى صورته وذكرياته الجميلة عالقة في الأذهان، وسيبقى خالدًا مخلدًا في أعماق مشاعرنا.
الزميل فؤاد الذرمان ذكر أيضًا أنه لا يزال يتذكر تشجيع الأستاذ عبد الله الخالد له قبل 30 سنة، في بداية دخوله جماعة الخطابة العربية بالظهران..
يقول كان مستواه متواضعًا، ولكن بمثل الأستاذ عبد الله الخالد يتقوى الإنسان.. فكان أخًا أكبر ذا قلب رحب وعامر بالمحبة والوفاء والأدب.
ويتذكر آخر لقاء بينهما، حيث جمعتهم زيارة لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء" في أغسطس الماضي، وجولة في معرض الهجرة النبوية وكذلك في معرض أماكن، موضحًا أن الأستاذ عبد الله الخالد مرّ بوعكة صحية خلال الأسابيع الماضية، وانتقل إلى جوار المولى الرحيم يوم الجمعة 4 نوفمبر 2022، ولا راد لقضاء الله «جل وعلا» الذي نسأله أن يكرم مثواه، وأن يتقبل ما قدَّمه من علم نافع وكرم في الأخلاق ويثيبه عليها.
وأجدني أتذكر ما كتبه الفقيد عبد الله الخالد في صحيفة «اليوم» قبل 17 سنة عن رحيل الملك فهد، رحمه الله، عندما قال: «ودَّع الشعب السعودي النبيل الملك فهد بن عبد العزيز، وأعينه مغرورقة بالدموع، رافعًا أكف الضراعة إلى الله العلي القدير، داعيا إياه أن يتغمد الفقيد الغالي بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يسكنه مساكن الصديقين في جنات النعيم».
خالص عزائنا ومواساتنا لأسرة وذوي الفقيد، حيث كان نبراسًا ومربيًا فاضلًا، يمتد أثره وإرثه على مر الأجيال.