* قبل بضعة أيامٍ عُقد مؤتمر القمة العربي للعام 2022 في دورته الحادية والثلاثين في الجزائر، بعدما كان قد سبق اجتماع المؤتمرين عدة لقاءاتٍ لوزراء الخارجية؛ بهدف الإعداد لقمةٍ ناجحةٍ تذكِّر العرب بوحدة مصيرهم وبعروبتهم التي أصيبت بانتكاساتٍ وخيباتٍ متواليةٍ لا يمكن لأحدٍ تجاهلها.
* واستبشر المواطن العربي المتابع لمجريات الأوضاع الراهنة في خضم الأحداث التي تعصف بالأمة - وإن كنتُ أراه استبشارًا مشوبًا بالحذر - وأحسب ذلك المتابع قد بنى في مخيِّلته آمالًا عريضةً من التفاؤل، ولسان حاله يقول: لعلَّ وعسى بعدما آلت أحوال الأمة إلى ما آلت إليه الآن في وضعٍ غير مسبوقٍ من التشرذم والفرقة؛ نتيجة ارتماء البعض في أحضان أعداء العرب جهارًا نهارًا، فضلًا عن الدسائس والمؤامرات التي باتت تُحاك بلا مواربةٍ وبلا حياءٍ.
* ولعل مبعث التفاؤل جاء من إطلاق مصطلح (قمة لمِّ الشمل) على هذه القمة قبل أن تبدأ، على أمل أن يستذكر المواطن العربي شيئًا يُعيد ما كان يردده في قصيدة الشاعر السوري فخري البارودي، ومطلعها (بلاد العرب أوطاني)، لكنه بكل مرارةٍ وأسىً ذهب تفاؤله أدراج الرياح بعدما أعلنت نتائج القمة التي كانت مخيِّبةً للآمال، بعدما اعترض بعض المؤتمرين على ذِكر أسماء الميليشيات المتمردة، وقد عاثت وما زالت تعيث فسادًا وإمعانًا في تدمير أوطانها وإذلال بني جلدتها، وأكاد أجزم بأن مردَّ الإحجام عن ذِكرها هو لتحاشي التطرق لمَن يقف وراءها في هوانٍ لا تخطِئه العين.
* فلم تعُد تنطلي على القارئ الفَطِن بعض العبارات العائمة، والشمولية التي اعتاد على سماعها في وسائل الإعلام بُعَيد انتهاء كل قمَّةٍ عربيةٍ أو قراءتها في الصحافة؛ باعتبارها أصبحت أسطوانةً مكررةً، ولا تنطبق على مجريات الأحداث، وكمثالٍ لذلك ما ورد في إحدى فقرات البيان الختامي، والذي أساسًا استُهِلت فقراتُه بمركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى كما يرددون دومًا، غير أن الفلسطينيين أنفسهم - ولا أتحدث عن الشعب الفلسطيني بالكامل - لكنني أعني قياداتهم بمختلف مسميات الفصائل التي يقودونها، ومعهم بعض الأصوات النشاز من الشعب الفلسطيني التي ما فتئت تكيل السباب والشتائم للمملكة في ظل الصمت الذي يفسَّر بأنه إمَّا استحسانًا من تلك القيادات أو تسليمًا بأن هناك مَن يوعز لهم من الخارج، ولا تستطيع قياداتهم إسكاتهم.
* وبرهانٌ آخر على أن مخرجات البيان الختامي لا تعدو كونها عبارات مطاطية سئم المتابع من ترديدها في الوقت الذي يجري في بعض البلدان العربية ما يتعارض كليًّا مع المضمون، وهو ما جاء في إحدى الفقرات، والتي جاءت نصًّا (التأكيد على رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية). فلماذا أحجم البيان عن تسمية الأشياء بمسمياتها، ولم يتطرق إلى التنديد بممارسات ميليشيات التمرد في أوطانها، كما يحدث من ميليشيا الحوثي في اليمن أو أتباع حزب الله في لبنان وسوريا أو فصائل ما يُطلق عليه الحشد الشعبي في العراق - ولا يعرف إلا أنه حشدٌ شعبيٌ ضد المواطنين العراقيين، وضد دول الجوار - وأيضًا عدم التطرق للتنظيمات المتناحرة في ليبيا.
ومن المعلوم أن جميع هذه الميليشيات تتلقى دعمًا صارخًا، وتأتمر بأوامر من إيران أو من تركيا، فالواضح أنَّ مَن أعدَّ مسوَّدة البيان الختامي لهذه القمة قد آثر عدم جرح مشاعر هاتَين الدولتَين أو عدم تسمية فصائل التمرد تلك بالاسم صراحةً.
* لكن بشائر الخير ومعطيات التفاؤل ستظلُّ إن شاء الله قائمةً؛ لأنَّ أنظار الشعوب العربية ستتحول صوب عاصمة القرار العربي (رياض المجد) بعدما أعلن وزير الخارجية أن المملكة سوف تستضيف القمة العربية المقبلة، وعليها تنعقد الآمال في ترميم وترتيب أوضاع البيت العربي.