e9lly@
نُقبل جميعًا على هذه الحياة كورقة نظيفة ناصعة البياض، ومنذ اللحظة التي نخرج فيها من بطون أمهاتنا، تتلون هذه الورقة وتتعرض لمؤثرات كثيرة، وأقصد بوصف الورقة البيضاء هنا (تكوين شخصية الفرد)، وهذا يجعلنا نتساءل: كيف تتشكل شخصياتنا؟
إنه حقًّا أمر يجعلني أفكر كثيرًا، لماذا تختلف شخصية كل منا عن الآخر؟ وما الذي يجعل البعض يتعامل بكل سهولة مع مواقف الحياة المختلفة، والآخر يعاني من أبسط الأمور اليومية وغير المعقدة؟ فكنتُ أقرأ بنَهم منذ فترة بعيدة عن هذا الموضوع، وأتأمل حال الناس، فوجدتُ أن الشخص الواثق من نفسه خلفه عائلة تدعمه، والشخص المجتهد الذي يقلل من قدراته ولا يراها شيئًا لم يحصل على الدعم الكافي من والديه، وأحيانًا تتم مقارنته بأقرانه والتقليل من جهوده أمامهم، فتتولد هذه المشاعر، وتستمر بالنمو مع الإنسان بحسب ما يصادفه من أحداث ومواقف إلا في حال عالج الشخص هذه المشاعر، ولم يسمح لها بالسيطرة عليه، وهو في علم النفس يُسمى بـ(الطفل الداخلي)، ويُعنى بالتجارب التي مررنا بها في الطفولة، وتؤثر على سلوكنا ومشاعرنا ونحن بالغون.
يقول الطبيب النفسي الشهير سيجموند فرويد: «إن السبب الرئيسي في ظهور المشكلات والاضطرابات النفسية هو هذا الطفل الذي تم كبت مشاعره في الصغر»، لن أشرع في الحديث عن هذا الموضوع أكثر؛ لأنه كبير ويستلزم مقالًا وحده، ولا أنكر أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على تكوين شخصية الطفل منها المدرسة، والأصدقاء، والبيئة، ولكن بلا أدنى شك أن الوالدين أو المربي هو العامل الأول في صنع شخصية الفرد، سواء كان ذلك بوعي منهم أو بلا قصد.
فعالم الطفل يدور حول والديه، يقلدهم، ويتعلم منهم، ويكتسب حتى الطريقة التي يتعاملون بها مع مشاعرهم والأشياء، كل فعل صغير منهم هو في الحقيقة أمر كبير ومؤثر في حياته، قرأت في أحد الكتب عن فتاة تتحدث عن إصابتها بمرض الوسواس القهري، وذلك بسبب تركيز والديها على ما لم تحققه من إنجازات، كانت كلما بذلَت جهدًا يستحق التقدير تنتظر فقط نظرة فخر واحدة، لكنها لم تحصد سوى النقد منهم، ونتيجة لذلك تعمقت مشاعر الدونية تجاه نفسها، وأصبح الوسواس ينهشها من الداخل، ويهمس لها بأن كل الجهود التي تبذلها لن تكون على المستوى المطلوب مهما فعلت.
ما أريد أن ألفت نظركم إليه هو أن أفعال الوالدين مؤثرة جدًّا في حياة أطفالهم، ويستمر تأثيرها إلى الكِبَر ولا أحد يود أن يعاني أطفاله من تصرُّفاته.
أختتم مقالي بهذا الاقتباس للكاتب عبدالوهاب الرفاعي: «أجمل هدية ممكن تقدمها لطفلك، ألا تجعله يذهب في المستقبل إلى طبيب نفسي بسببك».