ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد: جيء بأعرابيّ ومعه كتاب قد كتب فيه قصته وهو يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه، فقيل له: يقال هذا يوم القيامة. قال: هذا والله شر من يوم القيامة؛ إن يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
هل انتهى التركيز على السلبيات والتغاضي عن الإيجابيات في بيوتنا ومؤسساتنا ببيان الأعرابي أم ما زال؟
مع الأسف ما زال، فما زال فينا مَن يحمل نظرة عوراء في تعامله مع من حوله، من أبغضه لا يرى إلا سلبياته، ومن أحبه لم يرَ سلبياته.
زوجة كان زوجها أكرم الناس وأعقلهم عندما كانت راضية عليه، فلما حصل سوء تفاهم بينهما أصبح شيطاناً رجيماً تحذر منه القريب والبعيد، وقد تضع عليه ما ليس فيه، وكذلك من الأزواج من ينقلب على زوجته بعد زواجه من أخرى أو طلاقهما فيحول الإيجابي إلى سلبي والخير إلى شر.
وحتى على مستوى المؤسسات، تجد المدير إذا غضب على موظف تناسى كل ما قدمه هذا الموظف، وركز على السلبيات والمساوئ، وإذا رضي عليه جعله من فريقه الخاص، ولا يكلف على نفسه التحقق مما يصله على بريده أو من خلال صندوق الشكاوى.
إذن كيف نتعامل مع من يخطئ، هل نهرب من العور إلى العمى؟
الحمد لله على نعمة الإسلام، ونعمة هذه القيم العظيمة التي نحظى بها.
لقد خط رسول الإنسانية «صلوات الله وسلامه عليه» للبشرية منهجية عظيمة في التعامل مع الأخطاء، من خلال تعامله مع الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة «رضي الله عنه»، عندما أرسل لأهل مكة يحذرهم من قدوم جيش المسلمين؛ لأنه أراد أن يتقرب منهم لحماية قرابته الذين يعيشون بينهم، فقال عمر «رضي الله عنه»: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»: إنه شهد بدراً وما يدريك؟ لعل الله «عز وجل» اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وأوصى «صلى الله عليه وآله وسلم» الزوج بوصية عظيمة «لا يَفرَكْ - لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر»
لا تعجلوا على المميزين ومَن تحبون عند الخطأ، فقد تخسروهم وتندمون.