هل تمت دعوتك يومًا إلى اجتماع، وبادر رئيس الجلسة بسؤال جميع الحضور عن رأيه في الموضوع المطروح، واستثناك أنت، وعندما حاولت التغلب على الحرج الذي تتعرض له، واستأذنته للإدلاء برأيك، تجاهل الحضور بما فيهم رئيس الجلسة ما تقول، وانشغلوا بالهمهمة والأحاديث الجانبية فيما بينهم، أو لربما سخروا من رأيك كي يجبروك على التوقف عن الحديث، هل وجدت يومًا زملاءك يتسامرون، ولكن ما إن رأوك توقفوا حتى لا تشاركهم الحديث؟ هل هممتَ يوما بتحية أحد زملائك بكل ود حين رأيته، ولكنه ما إن رآك، إلا وأومأ بعينه إلى الجهة الأخرى هربًا من رد التحية عليك، ولربما يصل الأمر بك إلى ما هو أقسى من ذلك وأصعب، حين تتم الإساءة إلى شخصك وتشويه سمعتك كذبًا؛ بهدف عزلك وإقصائك اجتماعيا من قِبَل الآخرين.
إن تعرضت لأي من المواقف السابقة أو عثر حظك بأن عانيت من جميعها، فأنت وفقًا لعلم النفس تتعرَّض لما يُعرف بـ «النبذ في مكان العمل»، حينها يعتريك الشعور بالإحباط، ويسيطر عليك اليأس، ويتملكك الشعور بأنك غير مرحَّبٍ بك في مؤسستك، وتصبح أسيرًا لسؤال يدور في ذهنك ويعصف بعقلك، يطرح نفسه عليك دائمًا، لعلك تجد له إجابة «هل ارتكبت خطأً أو إثمًا كي ينبذني الآخرون بهذه الطريقة؟».
والحقيقة أنه ليس كل مَن يتعرض للنبذ يكون بسبب جُرم ارتكبه، أو خطأ صدر عنه، أو لعيبٍ في شخصه، فقد يصبح الفرد ضحية للنبذ؛ بسبب ارتفاع مستوى كفاءته في عمله، أو ما يمتلكه من صفات وقدرات فائقة تميِّزه عن أقرانه، أو قد يكون بسبب قربه من رؤسائه، وهو ما يثير الغيرة والحقد في نفوس أقرانه، ويدفعهم إلى نبذه؛ بهدف مضايقته وإزعاجه نفسيًّا للحد من كفاءته في عمله.
ويمثل النبذ أحد التكتيكات الشائعة والمفضلة لدى المتنمِّرين في بيئة العمل، وذلك لكونه مضمرًا أو خفيًّا، فبعض علماء النفس يعتبرونه تنمُّرًا صامتًا، يشبه الرصاصة التي تنطلق من سلاح صامت فتصيب ضحيتها بلا رحمة ولا هوادة، لا تترك جُرحًا ولا كدمة على جسد الضحية، ولكنها تفتك بحالته النفسية، وتقتل شعوره بالانتماء للمؤسسة، وتهدم العلاقات الاجتماعية بين أفرادها، فتحول دون تدفق المعلومات وانتقالها فيما بينهم، وهو ما يقلل من مستوى أدائهم الوظيفي، وينعكس سلبًا على أداء المؤسسة بوجه عام.
ويرى علماء النفس أنه عندما يتعرض الفرد للنبذ، فإنه يمر بثلاث مراحل أساسية، تبدأ أولاها بشعوره بأن احترامه لذاته وانتماءه لمؤسسته باتا مهدَّدَين، فيبدأ في المرحلة الثانية منها بتقييم مستوى الضرر الذي يتعرض له، وهو ما قد يدفعه إما إلى مسايرة نابذيه، أو الغضب من سوء ما يلقاه من معاملة، وإذا ما طال أمد ما يتعرض له الفرد من نبذ أو إقصاء، فإن ذلك يُشعره باليأس والإحباط والاكتئاب خلال المرحلة الثالثة منها، ويدفعه إلى الاستقالة، وترك العمل بتلك المؤسسة.
جدير بالذكر أن عدم تقبُّلك للنبذ في مؤسستك يترك أثرًا سلبيًّا على حالتك النفسية، ويجعلك في حاجة إلى الفضفضة مع أصدقائك أو أحد أفراد أسرتك عما تشعر به من ضيق وألم نفسي، فالبعض يشعر بالراحة عندما يفضفض عما تكنّه نفسه من ألم وضيق، لا سيما إن كان المستمع يهدئ من روعه ويرشده إلى التصرُّف المناسب حيال ما يعانيه من مضايقات.
وينصح بعض علماء النفس المنبوذين بالتقدم بشكوى إلى رؤسائهم في العمل، لإيقاف ما يتعرضون له من نبذ، إلا أن هذا الحل يكون صعبًا للغاية، وذلك بسبب أن سلوكيات النبذ تكون مضمرة وخفية، فيعجز الفرد عن إثبات شكواه، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأمور وتردّيها مما كانت عليه.
وفي الواقع، أنه حينما يتعرّض الفرد للنبذ، فإن ذلك يقلل من شعوره بالانتماء لمؤسسته، وهو ما يدفعه إلى الانسحاب النفسي منها إما بالغياب المتكرر أو التأخير عن العمل، أو عدم التواصل مع الآخرين؛ لذا يكون من الأفضل بالنسبة للمنبوذ ترك العمل بتلك المؤسسة والبحث عن أخرى يجد فيها الراحة من المتاعب أو المضايقات التي تؤثر سلبًا على صحته البدنية والنفسية.
@drmervat111111