ساد خلال السنوات العشر الأخيرة مفهوم ثقافة ممارسة أو تقصي حالة الوعي، وهو أمر مبشر وإيجابي، ولكن الخلط بين مفهوم الوعي ومفهوم الصدمة قاد بسرعة رهيبة إلى طرق وسبل شديدة الانحدار لتوافر معطيات توهم الوصول إلى وعي الحقيقة المتزامن مع ثورة الغضب النفسي الناجم عن غضب الصدمة ونتائج ردود أفعالها الشديدة والتي قد تكون متطرفة أحياناً.
إنه منحدر الغاضبين الذين يتوهمون أنهم يمارسون الوعي وما هي فعلياً إلا ردود أفعال جراء الصدمة التي تعرضوا لها أو مضاعفاتها وآثارها السلبية.
ولكن ابتداء ما هو الوعي وما هي الصدمة أو ردة الفعل؟!
للوعي عشرات التعاريف، إلا أن من أبرزها وأكثرها عمقاً في تصوري تعريف الفيلسوف الإنجليزي جون لوك الذي ربط وعي الإنسان بهويته وليس بجسده، وتتمثل هذه الهوية بالتاريخ والجغرافية والوطن والأسرة والقيم والمبادئ التي استقرت في ذاكرة ووجدان الإنسان وشكلت ذاته التي يرسم بها وطنه وعقيدته وانتماءه عبر ما تلقاه عقله، ويؤكد لوك على أن الوعي يظل موجوداً حتى بعد الموت لأنه هوية تراكمية وليس مجرد أجساد تفنى.
أما الصدمة فهي ردة فعل تلقائية غير واعية يصاحبها نوبة غضب أو كآبة أو فقدان الإيمان نتيجة تعرض الإنسان إلى أذى أو ضرر جسدي أو معنوي، وتحت سقف هذه الصدمة تولدت ردة فعل غاضبة انتقامية أو فاقدة للإيمان غير حكيمة يتصور صاحبها من خلالها أنه وصل إلى قمة الوعي الثقافي؛ كالمؤمن الذي خذله رجل دين فغضب وأصبح ملحداً، وخاض غمار معاداة الدين، وتبنى قضايا الخلاص منه بسبب ما تعرض له من خذلان، وسيدة عنَّفها قريبها فحاولت تغيير سنن الكون، وتبنت المثلية لتثبت لنفسها أنها واعية، ولن تقبل بالتعايش مع زوج أو أب أو أخ لأن الغضب الذي تعيشه يُمثِّل في تصورها أقصى مراحل الوعي الذي تغرق فيه كما تتوهم.
وشخص استشعر أنه ظُلم فسارع لهجر وطنه وذويه ليسلم نفسه لدول معادية لوطنه بحجة أنه يمارس الوعي السياسي أو ما يعرف بالمعارضة السياسية.
وكأولئك الذين كفروا بالأمة العربية والمسجد الأقصى بفعل خسة التيارات القومية والبعثية، ومواقف بعض الحركات التي تصف نفسها بأنها إسلامية تجاه الخليج فتوهموا أن ردة فعلهم تلك مبلغ العلم ومنتهى الوعي، وهم يتخلون عن إرث وحضارة أمة بناها سيد الأولين والآخرين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتابعوهم من بعده، وتخيلوا أن الجزيرة العربية مطوقة بمليارات بشرية صنفتهم صدمة الغضب أعداءً، وأخرجتهم من دائرة الجيرة والعروبة والإسلام إلى دائرة الأعداء، رغم أنهم جيران تربطنا بهم الأواصر الدينية والمصالح الجغرافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهم المدد كما قال سيدنا الفاروق عمر -رضي الله عنه-: «وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإِنَّهم ردء العدوِّ، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إِلا عن فضلٍ منهم».
إنه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، واستلم مفاتحه عمر -رضي الله عنه- واستشهد لأجله آلاف المسلمين.
لا تبنِ ثقافتك على جمرة الغضب؛ كُن واعياً.