قادة الأزمات مميَّزون عن غيرهم بالإلهام والموهبة والتحكم في الضغوط، والتعامل معها بهدوء، والخروج منها بنجاح وحِكمة وحسن تصرُّف. الحقيقة أن عام 1982م يُعدُّ من أسوأ الأعوام بالنسبة لشركة كرايزلر لصناعة السيارات Chrysler Corporation، حيث تدنى حجم المبيعات والأرباح وأوشكت الشركة على الإفلاس تحت الفصل السابع من قانون الإفلاس الأمريكي.
وكانت حكومة الرئيس ريجان أمام خيارَين لا ثالث لهما، فإما أن تترك الشركة تعلن إفلاسها كبقية الشركات الأمريكية التي لا تستطيع الاستمرار على هذا النحو الضعيف من الأداء أو أن تتدخل وتنقذ الشركة من الإفلاس من خلال تمويلها حتى لا تنتهي الشركة العملاقة التي ستسرّح ما يقرب من مائة وعشرين ألف موظف إذا أفلست ليصبحوا عبئًا ثقيلًا على الضمان الاجتماعي الذي يوفر للعاطلين عن العمل دعمًا ماليًّا ميسورًا، بينما هم يبحثون عن عمل جديد.
اجتمع الرئيس ريجان بكبار مستشاريه الاقتصاديين والقانونيين لإنقاذ الشركة من خلال تغيير القيادة الإدارية في قمة الهرم الإداري المترهل الذي يجب تغييره، حيث تم البحث عن قيادي مؤثر يستطيع إنقاذها من الإفلاس.
لقد وقع الاختيار الموفق على منقذ الشركات من الإفلاس "لي آيا كوكا" Lee Iacocca الذي أنقذ العديد من الشركات الأمريكية من إفلاس مثل شركة بوينج لصناعة الطائرات وشركة بيبسي كولا. المعروف أن "لي آيا كوكا" قيادي حازم وذكي لا يقبل الفشل ولا يتنازل عن النجاح، مهما كانت التحديات، فهو شخص موهوب ومؤثر يجذبك تعامله المتميز مع الآخرين، سواءً كانوا تحت إدارته أو غيرها. وإذا كان العالم يسمّي "لي أيا كوكا" مهندس النجاح فإنني أصفه بالمنقذ من الإفلاس في أوقات الأزمات.
تسلَّم "لي آيا كوكا" مقاليد إدارة شركة كرايزلر، حيث تحدث في أول اجتماع له مع الموظفين عن خطة شاملة لإنقاذ الشركة من الإفلاس، وكان خطابه موجهًا ومحددًا وهادفًا وشفافًا لا يقبل التأويل.
قال: مَن يريد منكم البقاء معي في هذه الشركة فعليه أن ينسى الماضي، ويتحمل تحديات النجاح إذا كان يرغب في البعث الجديد لشركة كرايزلر، والحفاظ على وظيفته فيها. وكان قد تخلص من الأشخاص الذين يعتقد أنهم الأساس والسبب في تعثر الشركة عندما شعر بأنهم يحاولون مقاومة خطة التغيير الشاملة للشركة.
لقد اقترضت كرايزلر من بنك كونتيننال بولاية ألينوي بسنوات عديدة قبل قدوم "لي آيا كوكا"، حيث أوشك البنك على الإفلاس بسبب عدم استطاعة الشركة الوفاء بسداد ما اقترضته منه. وشكّلت ديون كرايزلر حجمًا كبيرًا في السيولة النقدية المتعثرة، لكن "لي أيا كوكا" استطاع بتوفيق من الله، ثم بحكمته وسداد رأيه، تسديد القروض للبنك، وتسديد القرض الفيدرالي الذي حصل عليه من الحكومة لدعم استمرار الشركة في سوق صناعة السيارات، وذلك في مدة قياسية جعلته من أكثر القادة المؤثرين في قطاع صناعة السيارات.
لقد امتطى "لي أيا كوكا" التحديات بشموخ عندما أعلن للشركة أن راتبه للسنة الأولى سيكون دولارًا أمريكيًّا واحدًا فقط، لكنه اشترط نجاحه في إنقاذ الشركة براتب مجزٍ في السنوات التالية، حيث كان له ذلك عندما حصل على عشرين مليون دولار سنويًّا.
لقد غيَّر لي أيا كوكا الكثير في ديناميكية وتصاميم سيارات كرايزلر. وركَّز لي أيا كوكا على سياسة السيارات الصغيرة الاقتصادية لتكسب كرايزلر القدرات التنافسية.
الخلاصة.. قادة الأزمات ليسوا بقية القادة؛ لأن لديهم قدرات ومهارات ورؤية خارقة، فهم مبدعون وملهمون ومبادرون وقادة حلول وتصور إستراتيجي في المدى البعيد.
* كلية الأعمال KFUPM
@dr_abdulwahhab