شعور الذنب بوصلة داخلية تستخدم الأخطاء لتعليم المسؤولية، قاضٍ داخلي يدفعك للارتقاء عن السلوك المرفوض، وتصحيحه دون تدخُّل خارجي، شعور بالتوتر، انقباض في المعدة، خفقان في القلب، اضطراب في الصدر، ورغبة ملحَّة في التستر والبحث عن أعذار للاختباء خلفها.
تشكِّل هذه الأعراض وميضًا من المشاعر، ورسالة عاطفية تدعوك لمراجعة انحراف الشخصية، والتطهير الذاتي بإدراك السلوك المخالف لقِيَمك، والذي يمثل انفصالًا عن ذاتك لتعود الوحدة والاندماج مع الذات مجددًا.
لكن عدم الاتزان في مشاعر الذنب والسماح له بالتمدد لتشكّل نافذة ترى الحياة من خلالها، يظهر الحياة قطبية متطرفة، إما أبيض أو أسود، خيرًا أو شرًّا، يُنكر وجود طيف واسع من النسبية في المنتصف هو أجمل في الحياة، فالنسبية تخلّصنا من طغيان الأبيض والأسود، وتبقينا في حالة من الفضول لاستكشاف النور واستخراجه من عُمق الظلام، رؤية الأضداد على أنها أجزاء تتكامل لتشكّل الكل، بدلًا من أن نتدلّى من أحد أطراف الطيف.
عندما يسيطر الشعور بالذنب على الحياة يتحوَّل إلى أداة عقاب ذاتي فتصبح قاضيًا وجلادًا لذاتك، لا تفرِّق بين الأذى المتعمَّد وبين التسلسل الطبيعي للأحداث، ونسبة الخطأ المتوقع من طبيعتك البشرية، يترجم ذلك بسلوكيات فيها انهزام للذات، وإدانة لها، وإلغاء لاستحقاقك البشري، قد يتحوَّل الذنب أيضًا لأداة للتلاعب والعقاب يمارسها الآخرون للسيطرة عليك على المستوى العاطفي في محاولة لاستغلالك دوافعهم الخاصة.
سأدعوك الآن لرحلة استكشاف داخلية لاستعادة براءتك الفطرية، رحلة باتجاه النور والخلاص حتى لو كانت مغلفة بهالة من الغموض والتوجّس، فتقنين الشعور بالذنب سيكون مصحوبًا بتجدد طاقة الحياة، وسيدفعك للقيام بسلوكياتك بدافع الحب، وليس الخوف من الذنب.
هدف الشعور بالذنب هو إشعارك بالألم عندما تقوم بسلوكيات تخالف حقيقتك، لكن من أين نشأت هذه القِيَم التي شكّلت حقيقتك؟؟!
من المهم أن ندرك أن هناك حقيقة شخصية هي نُسختك الخاصة، مجموعة من القِيَم والأفكار التي تعتبرها حقيقة، لكنها متغيّرة بمرور الزمن، فكثير مما نعتبره مقبولًا اليوم، كان مرفوضًا بالأمس، وكثير مما نشهده اليوم كان محض خيال بالأمس.
هناك حقيقة ظرفية، عالم خصب من القِيَم والأفكار تشترك فيها مجموعة دينية أو أحزاب سياسية أو قوميات، تدفع بحجج منطقية أو عاطفية أحيانًا لتعزيز معتقداتها، وتكون المصادقة عليها هي ثمن الانتماء والعضوية، وهي أيضًا حقيقة متغيّرة بتغيّر الزمان والمكان والظرف.
وأخيرًا الحقيقة الكونية تمثل أعلى تصنيف للحقائق، تتعامل مع القِيَم والصفات غير المرئية والرغبات المتعالية للروح، توقظ فيك أنبل الصفات، وتُلهمك السلوكيات التي تخدم مصالح الجميع، يخترق تأثيرها الزمن، قد تُصاب بعض المجتمعات بالانحدار فتسيطر عليها الحقائق الشخصية والظرفية، لكن تبقى فيها أرواح عظيمة تحمل هذه الحقيقة الشافية.
التكامل بينك وبين حقيقتك هو سر العظمة، لكن إذا قمت بأي اختراق لقِيَمك، وهو أمر وارد، فتوازن في شعورك بالذنب، واسمح له بالتدفق عبر نفسيّتك برشاقة ليرشدك، ثم قُم بعملية تصحيحه، وبعدها اسمح للذنب بالرحيل، عندها سيصبح لك حِسٌّ أخلاقي رحيم، وتمتلك الشجاعة للحكم على سلوكك، والإشراف عليه دون تضخيم أو تفريغ للأنا.
أنت تتسبب في كل تأثير تختبره في حياتك فإذا لم ترضَ عن النتائج فاسعَ لفعل شيء مختلف، لتقف كيانًا شامخًا يمتلك التكامل بين أعلى مستوياته الروحية والقيمية؛ ليُسقطها مضيئة جليَّة في سلوكه، إنها النزاهة حقيقة تنبض في قلبك!!
@wallaabdallagas