إذا كنت تنوي الدخول إلى عالم الفلسفة كقارئ وهاوٍ لا كمتخصص فهذا أمر حسن، ولكن عليك أن تدخل إلى الباب وأنت تملك قاعدة صلبة فكريًّا خصوصًا في قضية الإيمان عن طريق المنقول والمنظور؛ لأن المسألة ليست بتلك الصورة الرومانسية الحالمة التي تتوقع.
نعم هي تحتاج إلى فكر منفتح، ولكن ليس ساذجًا ولا مغفلًا! فلا يعني أن كبار الفلاسفة يقولون شيئًا فتصدقه على الفور! ففي الفلسفة لابد أن تعرض كل شيء للتساؤل والشك، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة الإثبات بعدة طرق، منها الاستقراء (الانتقال من الخاص إلى العام أو من الكل إلى الجزء أو عن طريق الاستنباط (عكس الاستقراء).
هذا المقال ليس درسًا في الفلسفة! فهو حديث عابر ومختصر بسبب أن الخميس الثالث (17) نوفمبر لهذه السنة (2022م) يوافق (اليوم العالمي للفلسفة). وقبل أن أتحدث أكثر عن الموضوع لابد أن نعرف أن كلمة الفلسفة أصلها يوناني، وتعني «محب الحكمة»، ويقال إن الذي صاغ هذا المصطلح هو الفيلسوف وعالم الرياضيات فيثاغورس.
والفلسفة عمومًا تبحث في عدة مواضيع منها على سبيل المثال: الوجود، ما وراء الطبيعة، المنطق، الأخلاق، الجمال، الحق، الخير، القِيَم، العقل، المعرفة وغيرها من الأفكار والمسائل.
ودعونا نأخذ مثالًا حتى تتضح الفكرة، الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط، وهو من المؤثرين جدًّا في الفلسفة والثقافة الأوروبية الحديثة كان يبحث في ثلاث مسائل رئيسية (الله سبحانه وتعالى، الخلود، الإرادة الحرة)، انظر (كتاب مآلات الفلسفة للغذامي).
وفي المقابل، دعوني أُعطِكم النقيض من الرأي في الفلسفة، فالعالم الفيزيائي المشهور ستيفن هوكينغ ذكر في كتابه (التصميم العظيم): أن الفلسفة قد ماتت!، ويُذكر عنه أنه كان يدّعي أن ما لا يثبت فيزيائيًّا فليس بموجود! والجملة الأخيرة تبدو غريبة جدًّا أن تخرج من عالم مثله، فأشياء كثيرة في الحياة لم تكن معروفة من قبل (البكتيريا، الفيروسات، الموجات اللا سلكية، النواة والإلكترونات وغيرها)، ثم عرفناها بعد ذلك.
ومن المعلوم أن الفيزياء تتطور، وبعد سنوات ستخبرنا بأشياء لا نعرفها اليوم، فهل يعني أنها ليست موجودة في الوقت الحاضر؟ بل أبعد من ذلك، فالنفس والروح موجودتان، فكيف نثبتهما فيزيائيًّا؟! على العموم كل عالِم، مهما بلغ عِلمه، له بعض الشطحات والآراء المستغربة.
وبما أنني لستُ متخصصًا في الفلسفة، ولكني اطلعت على العديد من الكتب عنها، وأحب قراءتها من وقتٍ إلى آخر، فلو سألتني: ما الذي استفدته؟ منها: تعلم إثارة التساؤلات، وألا تحكم على الآراء مسبقًا؛ بسبب شخصية قائلها أو ما يُقال عنها! ومنها، أن العقل هو أداة للتفكير، وله حدوده حين يخرج من عالم المحسوس والمرئي إلى عالم الغيب. ولذلك قال الإمام أبو الحامد الغزالي: إن ميزة العقل هي معرفته بعجزه. والله «سبحانه تعالى» بيَّنها واضحة جليَّة في قوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا»، فتخيَّل معي أن كل ما نعرفه اليوم في شتى بحور العلم والمجالات التقنية والثقافة والأدب، وما سنعرفه بعد ألف سنة من الآن سيكون قليلًا! وقد قال سقراط بكل تواضع: الشيء الذي أنا متأكد منه أني لا أعلم شيئًا! ونُقل عن نيوتن أنه قال: ما نعلمه قطرة، وما لا نعلمه كالمحيط.
وقد جاء في الحديث الطويل في قصة موسى «عليه الصلاة والسلام»، والخضر: «وجاءَ عُصفورٌ حتَّى وقعَ علَى حرفِ السَّفينةِ ثمَّ نقرَ في البحرِ، فقالَ لَهُ الخَضرُ: ما نقصَ عِلمي وَعِلْمُكَ مِن علمِ اللَّهِ إلَّا مثل ما نقصَ هذا العُصفورُ منَ البحرِ».
الفلسفة علم راقٍ فكريًّا، ولكن حين يلج إلى عالم الغيبيات يبدأ في التخبيص!!
abdullaghannam@