من الصعب وأنت تبني مستقبلك خلال مراحلك الدراسية مبتعثا في أفضل الجامعات الغربية، تجد نفسك مكبلا في السجن محطما كل درجات المستقبل وقاطعا كل حبال العلم وتكسر مجاديفك لاستكمال الحياة.
ياسر البحري مواليد عام 1975م هو سجين كويتي سابق وكاتب ومؤلف لعدد من الكتب في أدب السجون، وقضى 15 سنة سجينا في الولايات المتحدة الأمريكية، تمكن خلالها من تأليف 26 كتابا في مواضيع متنوعة.
كانت محكمة أمريكية قد اتهمته بالتحرش الجنسي بفتاة أمريكية، فيما نفى البحري التهمة مستعرضا أدلة على براءته، ونقل خلال فترة محكوميته بين سبعة سجون قام خلالها بدعوة النزلاء للإسلام فأسلم على يده أكثر من 500 شخص.
تمكن من إنشاء عدة مكتبات إسلامية في السجون الأمريكية، كما تعلم داخل السجن اللغة الإسبانية ولغة الإشارة.. «البحري» يروي تفاصيل قصته في حوار خاص مع «اليوم»..
من حياة الرفاهية إلى السجن
• بداية.. حدثنا عن نفسك، وما قضيتك في أمريكا التي تسببت في دخولك السجن؟
- أنا طالب كويتي مبتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مجتهد للغاية في مرحلة الماجستير وكنت مرشحا لإكمال الدراسات العليا في الدكتوراة بامتياز مع مرتبة الشرف، وكان عندي «بيزنس» في الولايات المتحدة الأمريكية و«ما شاء الله» كان «بيطلع فلوس»، ومنه قمت بشراء بيت وسيارات وكانت حياتي في أمريكا مرفهة، وبعدين موظفة كانت تشتغل عندي ادعت علي أنني اعتديت عليها جنسيا، والأمريكان البيض وهيئة المحلفين قالوا أكدوا الأمر، فدخلت بسبب ذلك السجن 15 سنة على الرغم من أن بعض الأدلة تثبت براءتي وهذا باختصار اللي صار معي في أمريكا.
• تجربتك ماذا أضافت.. كنظام عزل أمريكي أو كسجن أو كإنسان؟
- كإنسان طال عمرك وكلت أمري إلى الله وعلمت أن الآيات التي في القرآن واقعية من الدرجة الأولى خاصة «إن مع العسر يسرا»، في وسط الظلام وفي بطن الحوت الله سبحانه وتعالى يسر الأمور.
• باطلاع سريع على مراحل حياتك خلال دراستك في أمريكا، فأنت مررت من طالب لمستثمر لسجين لداعية للدين الإسلامي يعني مفارقات كبيرة ومراحل تحول محورية؟
- نعم صحيح.. وأنا أوقفت العد بعد إسلام خمسمائة شخص على يدي ودخولهم للدين الإسلامي لا أعلم كم وصلت أعدادهم الآن، وأنا كنت لاعب كرة قدم ومغنيا وكاتبا أيام الجامعة وكنت أكتب في مجلة الجامعة وكان عندي عمود اسمه «ببساطة»، فنعم مفارقات وهذا الإنسان عبارة عن مجموعة تضادات عجيبة وكبيرة.
الأمريكان والعرب
• إذا كان الأمر بيدك.. فما أكتر شيء تريد تغييره، حسب ما مررت به من تجربة في أمريكا؟
- نظرة الأمريكان للعرب والمسلمين وما سببها والكلام هذا ذكرته في كتاب «الإسلاموفوبيا» في أمريكا لدرجة أن الموضوع أثر في سلبا أني كتبت كتابا كاملا عنه.
• بعد أحداث سبتمبر رأينا اتهامات كثيرة على الطلاب أو العرب بشكل عام والخليجيين بشكل خاص.. حقيقة هذه كانت أم «تبلي» حسب تجربتك؟
- نعم.. نعم «تبلي» من الدرجة الأولى وليس فقط العرب والخليجيين بل العرب عموما حتى المسيحيين والمسلمين عموما وما شابههم حتى بعض السيخ والهندوس تضرروا من الموجة الكبيرة التي كانت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكانت القضايا تلفيقا وغير صحيحة وكأنها انتقام لا شعوري.
• ليش بنظرك كانت «تبلي»؟
- أول شيء شوف.. وأقولك قصة واقعية حدثت في المحاكم الأمريكية، كان هناك قاض قال لمتهم عربي سجن بتهمة حرق بيوت، قال له شوف العرق اللي تنتمي إليه «العربي» يدفعني هنا إلى أن ندور عليكم الزلة في كل صغيرة وكبيرة، وهذا بالطبيعي معناه لو كان المتهم «واحد تاني» من جنسية أخرى، فكان ممكن «نطوفها»، لكن طالما أنك ترجع إلى العرق العربي فهذا يجعلنا ندور عليك بكل صغيرة وكبيرة وأنك راح تخطئ ونحن راح نكبر هذا الغلط ونعطيك «المكسيمم» ونكون أكثر قسوة عليكم.
الشعب الأمريكي مشحون
• هناك قضايا لمواطنين سعوديين مشابهة لك في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل خالد الدوسري وحميدان التركي وآخرين هل لهم نفس التأثير أم كانت بأسباب أخرى؟
- المشكلة طال عمرك، أن في الولايات المتحدة الأمريكية «الشعب صار مشحون جدا ضد العرب والمسلمين»، حتى لو إنسان فعلا بريء خاصة في قضايا الأمن القومي الحكومة ما راح تطلعه بريء لأنه يوجد رأي عام، وهذا أكيد مسوي قضية مهيبة أو قضايا ضد أمن أمريكا، أي شيء تسويه ينظرون نظرة السلبية تجاهه مهما كان بسيطا.
• هل قابلت أحد المتهمين السعوديين خلال سجنك في أمريكا؟
- شخصيا لا.. ولكن درست عن حالات البعض وسويت حلقات في «يوتيوب» عن البعض الآخر مثل نايف اليوسف واحد منهم أو مازن العتيبي واحد منهم وأيضا خالد الدوسري وتركي الحميدان واحد منهم وهكذا.
• كيف درست عن البعض ولماذا؟
- وأنا مسجون كنت مواكبا للعصر أسمع عنهم وأقرأ كتبا ومقالات عنهم من خلال الإنترنت وأتابع قضاياهم وتفاصيل محاكماتهم.
• من كانوا الذين ذكرتهم معك في نفس السجن؟
- هناك آلاف السجون في الولايات المتحدة الأمريكية بعضها خاضع للولاية وبعضها تابع للحكومة الفيدرالية و«نادرا اثنين يلتقون» في نفس السجن أو المحاكمة.
مرحلة العنصرية
• بعد تجربتك وتواصلك مع بعض أصدقائك في أمريكا.. كيف ترى حياة العرب بشكل عام أو الخليجيين؟
- أقولك إحدى القصص، واحد رجع من أمريكا الصيف الماضي درس ماجستير هناك ودكتوراة من الأسرة، قال أنا المرة الأخيرة أروح فيها لأمريكا، حرمت أروح قلت له ليش مع أنك دارس هناك وتحب ديزني لاند وودك تروح إنترناشيونال درايف وودك تاخد فرة في لوس انجلوس، كان يقول لي هذه المرة صارت بزيادة حتى راعي الاوبر كان يشوف زوجتي لابسة حجاب يكنسل الطلب ويمشي وصارت مرحلة العنصرية عيني عينك ما أحد يقدر يضمنها في المستقبل وماذا يحدث لنا هناك، وحتى في المطار يبهدلونا ووصل لمرحلة أنا ليش أصرف فلوسي عندكم وأنتم تعاملوني بهذه الطريقة، فالبديل متوافر في كافة العالم وبنفس الخدمات وأفضل.
أرفع القبعة للمحجبات
• المبتعثون الجدد والمبتعثات بالماجستير والدكتوراة والبكالوريوس بأمريكا.. بماذا تنصحهم بعد تجربتك؟
- أول شيء أرفع القبعة بحق النساء المتحجبات المسلمات الموجودات بالولايات المتحدة الأمريكية وما زلن يحافظن على إسلامهن وعلى حجابهن وعلى تقاليدهن وعلى الزي، لأن احنا كعرب صارت الطامة الكبرى كل واحد يطول شعره ويحط سكسوكة ويغير الاكسنت عشان يتأقلم مع المجتمعات الغربية، فالموجة السلبية جاءت على البنات المسلمات المحجبات فأنا أرفع لهن القبعة لأنهن صمدن على الرغم من تلك الموجة الشديدة.
• هل فكرت في رفع قضية على سوء المعاملة أو الحكم السابق عليك؟
- اقدر ولكن مكلفة ماليا جدا وما عندي استعداد أخسر المزيد، فأنا صرفت ثلاثة أرباع المليون فقط على المحامي المالي.
• طيب.. ايش كانت نتيجة هذا الصرف؟
- أعطاني 15 سنة سجنا.