يمثل اتفاق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب27" بشأن إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار"، علامة فارقة في الكفاح الطويل لتأمين دعم المجتمعات الفقيرة، التي تعاني من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري، حسب مسؤولين وناشطين عملوا جاهدين لتأسيس مثل هذا الصندوق.
واختُتمت المحادثات التي استمرت على مدى أسبوعين في مدينة شرم الشيخ الساحلية المصرية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد.
وألقت التوترات الجيوسياسية العالمية بتداعياتها على "كوب27"، وجرى الاتفاق على تأسيس صندوق جديد لمساعدة الدول المعرضة للخطر على تحمل التكاليف المتزايدة للأضرار الناجمة عن تطرف الظروف المناخية وارتفاع مناسيب البحار.
وستعمل لجنة خلال العام التالي على وضع التفاصيل المتعلقة بكيفية عمله ومصادر التمويل.
جبهة موحدة للضغط
شكلت مجموعة من 134 دولة من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ودول جزرية صغيرة، بقيادة باكستان التي سجلت أضرارًا واسعة من جراء الفيضانات، جبهة موحدة للضغط لإطلاق الصندوق المثير للجدل.
وقال يب سانو، رئيس منظمة السلام الأخضر بجنوب شرق آسيا، إن إقرار الصندوق "يمثل فجرًا جديدًا للعدالة المناخية".
ولعب سانو دورًا فعالًا في تأمين أول هيئة رسمية للأمم المتحدة تعنى بالخسائر والأضرار في نسخة مؤتمر المناخ في وارسو عام 2013، بصفته كبير مفاوضي الفلبين التي كانت شهدت أضرارًا واسعة من جراء الإعصار هايان.
وأضاف سانو أن "الحكومات وضعت حجر الأساس لصندوق جديد طال انتظاره لتقديم دعم أساسي للدول والمجتمعات المعرضة للخطر، التي ألحقت أزمة المناخ المتسارعة دمارًا بها بالفعل"، معتبرًا التطور "انتصارًا لقوة الشعوب".
30 عامًا من الأمل
أكد "تحالف الدول الجزرية الصغيرة" أن أعضاءه من المحيط الهادي ومنطقة البحر الكاريبي "بذلوا قصارى الجهد" في كوب27 لإطلاق الصندوق، الذي ظلوا ينادون به طيلة 30 عامًا، عندما تمت إثارة قضية الخسائر والأضرار للمرة الأولى بمحادثات المناخ في فانواتو.
وقال مولوين جوزيف، رئيس تحالف الدول الجزرية وزير الصحة والبيئة في دولة أنتيجوا وباربودا: "اليوم، أعاد المجتمع الدولي الثقة العالمية للقضية الحاسمة التي تهدف لضمان عدم تخلف أحد عن الركب".
وأضاف في بيان: "أظهرنا لمن كانوا يشعرون بالإهمال أننا نسمعكم ونراكم ونكنّ لكم الاحترام والرعاية التي تستحقونها".
وعلق أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بالقول إن القمة "خطت خطوة مهمة نحو العدالة".
وقال في بيان مصور، إنه رغم أن صندوق الخسائر والأضرار لن يكون كافيًا للتعامل مع الخسائر المناخية المتزايدة، فإنه "إشارة سياسية كانت هناك حاجة ماسة لها لإعادة بناء الثقة المتداعية" بين الدول الغنية والفقيرة.
"ديون" المناخ
بينما رحب نشطاء المناخ بشكل عام بصندوق الخسائر والأضرار الجديد، آثر البعض الحذر.
وأوضحوا أنه لم يكتمل بعد الاتفاق على العديد من جوانب إدارته، كما أنه من غير الواضح حجم الأموال التي سيجمعها ومن أي جهات.
وقالت جين سو، مديرة عدل الطاقة في مركز التنوع البيولوجي، إن الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية والدول الصناعية الأخرى تخلت عن موقفها "بعد سنوات من المقاومة".
كانت المعارضة ترجع بشكل أساسي إلى المخاوف من أن تجد هذه الدول نفسها مسؤولة ماليًا عن تأثيرات انبعاثاتها المرتفعة تاريخيًا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
إلا أنه صار من الصعب التمسك بهذا الموقف وسط "تزايد الجسامة والنطاق والتكرار" للآثار الضارة لتغير المناخ، حسبما ورد في "خطة تنفيذ شرم الشيخ" النهائية.
#مصر تدعو الدول المشاركة في مؤتمر المناخ إلى "الارتقاء لمستوى الحدث" https://t.co/kFhiLWbE7V pic.twitter.com/8PYDNf6HRX— صحيفة اليوم (@alyaum) November 19, 2022
ولا تشمل "الخسائر والأضرار" المتعلقة بالمناخ الضرر الذي يلحق بالأفراد ومنازلهم والبنية التحتية من كوارث مثل الفيضانات والجفاف والعواصف فحسب، إنما تشمل أيضًا النزوح الذي يضطر إليه الأفراد نتيجة للتداعيات الأبطأ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، فضلًا عن الخسائر في التراث الثقافي ومصادر الرزق في المجتمعات.
وأضافت سو: "بعد هذه القمة، تتجه كل الأنظار إلى الولايات المتحدة وغيرها من الملوثين الرئيسيين ليدفعوا للعالم ما عليهم من ديون هائلة تتعلق بالمناخ".
خلافات مع الصين
سيكون الصندوق الجديد مختلفًا عن صناديق المناخ الأخرى المدعومة من الأمم المتحدة، لأنه سيجمع الأموال من مجموعة واسعة من المصادر، بما في ذلك بنوك التنمية ومصادر تمويل مبتكرة مثل الضرائب على الوقود الأحفوري أو شركات الطيران.
وأصرت الحكومات المانحة التقليدية، بما في ذلك أعضاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على اشتراط هذا من أجل دعم الصندوق.
وتواصلت الخلافات مع الصين واقتصادات ناشئة أخرى، لذلك جرى تأجيل المسألة الشائكة المتعلقة بمن سيضخ أموالًا في الصندوق ليتم تسويتها لاحقًا.
وتؤكد الولايات المتحدة ودول أخرى أنه يتعين أن يكون للصين، باعتبارها أكبر ملوث للمناخ في العالم منذ عام 2006، دور في المساهمة في الصندوق، ما ترفضه بكين.
العمل المناخي على المسار الصحيح
حثت شخصيات سياسية الدول في مؤتمر كوب27 على تنحية المعارك الجيوسياسية جانبًا، من أجل إبقاء العمل المناخي على المسار الصحيح.
وقالت الرئيسة الأيرلندية السابقة ماري روبنسون، التي تترأس مجموعة "ذي إلدرز" للزعماء العالميين المستقلين: "في عام من الأزمات المتعددة والصدمات المناخية، تظهر النتيجة التاريخية بشأن الخسائر والأضرار في كوب27 أن التعاون الدولي لا يزال ممكنًا، حتى في أوقات الاختبار هذه".
لكنها أضافت أن "العالم لا يزال على شفا كارثة مناخية"، لا سيما بالنظر إلى التقدم البطيء من جانب الحكومات في تكثيف الجهود لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل أسرع، ما يلزم لمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض أعلى من 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحًا لاتفاقية باريس.
خطوات حاسمة إلى الأمام
انضم ألوك شارما، السياسي البريطاني الذي ترأس قمة الأمم المتحدة للمناخ العام الماضي في جلاسجو، إلى منتقدي الاتفاق من النشطاء المناهضين للوقود الأحفوري وحكومات أخرى كانت ترغب في التزامات أقوى في كوب27 لتأمين عدم تجاوز حد 1.5 درجة مئوية، الذي قال إنه "لا يزال على أجهزة الإنعاش".
وأشار إلى أنه لم يكن من الممكن "اتخاذ خطوات حاسمة إلى الأمام" لتقليل الانبعاثات.
وضغطت بريطانيا، مع حكومات أخرى بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، من أجل اتفاق لتجاوز ذروة الانبعاثات العالمية قبل عام 2025، من أجل تحديد مسار واضح لخفض استخدام الفحم تدريجيا، وهو هدف جرى تحديده في جلاسجو.
وقال شارما إن كل هذه الأشياء "ليست في هذا النص" الخاص باتفاق كوب27، مضيفا أن البنود الخاصة بالطاقة في الاتفاق قد جرى إضعافها أيضا في اللحظة الأخيرة.
وتتضمن خطة شرم الشيخ إشارة إلى تعزيز الطاقة "منخفضة الانبعاثات"، وكذلك مصادر الطاقة المتجددة، في إشارة واضحة إلى مصر التي استضافت المؤتمر وإلى منتجين آخرين للغاز، الوقود الأحفوري الأقل تلويثًا.
ويدعم الاتفاق أيضا خطط العديد من البلدان المنتجة للوقود الأحفوري لاستخدام تقنية جديدة لاحتجاز الكربون للحد من الانبعاثات بدلًا من تقليص الإنتاج.
مؤتمر #المناخ يناقش موضوعات الانتقال العادل لـ #الطاقة في #أفريقيا https://t.co/0IeA5fqnHd#اليوم pic.twitter.com/v8XB5Ky8uP— صحيفة اليوم (@alyaum) November 14, 2022
الحد من الأضرار المناخية
أكدت العديد من المجموعات الخضراء أن الجهود العالمية البطيئة للحد من الانبعاثات لن تؤد سوى إلى زيادة الحاجة إلى التمويل لمساعدة من يعانون من أضرار المناخ في المستقبل.
وقال مانويل بولجار فيدال، مسؤول المناخ العالمي والطاقة في الصندوق العالمي للطبيعة، الذي ترأس مؤتمر كوب 20 في بيرو، إن القادة فوتوا الفرصة في مصر لتسريع التخفيضات النشيطة والعميقة للانبعاثات، واللازمة للحد من الأضرار المناخية.
وحذر فيدال من أن "اتفاق الخسائر والأضرار التي جرى التوصل إليه خطوة إيجابية، لكنه معرض لخطر أن يصبح صندوقًا لنهاية العالم، إذا لم تتحرك الدول بشكل أسرع لخفض الانبعاثات والحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية".