نحن نتجول في أوساط حافلة بأناس عصريين ومتحضرين نملك أفكارا تقدمية وتفكيرا مستقلا، ربما كانت هذه الصورة الذهنية التي نملكها عن أنفسنا وعن المحيطين، لكن الحقيقة أن انخراطنا في مجموعة قد يجعلنا ننزلق بسهولة إلى صور بدائية من التفكير والتصرف والسلوك.
شعورنا بالقلق حيال ما يظنه الآخرون عنا أو القلق بشأن مكانتنا وترتيبنا في هرمية المجموعة يولد لدينا ضغوطا مستمرة للتوافق معهم في الأفكار والسلوك والمظهر، فالهوس بالمكانة يوافق أنماطا موجودة عند البشر منذ الطفولة المبكرة، كلما أصبحنا ضمن مجموعة زادت فعاليته وكشف عن جوانب أقل تطورا في بنيتنا النفسية.
شعور الغربة والاختلاف عن المجموعة يسبب شعورا بالضيق والحذر المفرط، لذلك يهرع الناس للانتماء للمجموعات بمطابقة المظهر والسلوك وربما ممارسة التمثيل وارتداء الأقنعة لتضخيم التوافق ووضع النفس في قوالب مقبولة للمجموعة، كل ذلك ليشعروا بالارتباط الذي يمنحهم دفقة من القوة الاجتماعية وشحنة من الطاقة في حقل غير مرئي يؤثر على المجموعة فيخلق شعورا مكثفا بالارتباط فيما بينهم.
القوة الاجتماعية قوة متفاوتة تختلف بحسب حجم المجموعة وأصالة مرجعياتها وتناغم أفرادها في قيمهم وميولهم العاطفية من الحب والبهجة أو الغضب والعدائية فذلك ما يشكل المزاج الجماعي للمجموعة، كذلك تتأثر قوة المجموعة بشخصيات القادة وقدراتهم على الإقناع والتأثير، القوة الاجتماعية قوة نفسية ساحبة، تجعلك تنجذب إلى الحشود الكبيرة من التجمعات الدينية أو مشجعي الرياضات أو حفلات الموسيقى والمغنيين فالغالب فينا حب الحشود ذاتها لأنها تبث فينا الحياة والحيوية.
في صورة معاكسة نجد الأشخاص الذين عاشوا العزلة لشهور أو سنين طويلة يبدأون بالانفصال عن الواقع ويعانون تفكك الشخصية والشعور بالهذيان المستفيض، نتيجة انعدام الناس حولهم، حيث إن نظرتك لعيون الآخر هي التي تمنحك إحساسا بأنك موجود، ولربما كان تعلقنا بالتواصل الاجتماعي وهواتفنا الذكية نوعا من الرغبة في الحضور المتواصل للآخرين ولو بطريقة شبه وهمية فنرى في شاشتنا نوعا من العيون البديلة تبادلنا النظر.
لكن حاجتك للقوة الاجتماعية وما يتولد عنها من شعور بالأمان النفسي والانتماء لا يعني أن تنشغل بالمجموعة عن نفسك فتتجاهل قواك الذاتية وتفقد الإحساس بتفردك وتنسى أولوياتك.
فبجانب الحرص على التوافق مع الآخرين يجب أن نرفع وعينا الذاتي ونستشعر سيادة الذات مع المحافظة على قبضة محكمة على الواقع،
يجب أن نضع أفكار المجموعة ومعتقداتها في تمحيص مستمر ونقارنها بمنظومة قيمنا وأفكارنا الشخصية ونتكيف مع ما نجده وجيها منها ونرفض ما يناقض قيمنا وخبراتنا، فاهتمامنا منصب على الأفكار نفسها وليس على مصدرها.
كما يجب أن نحتفظ لأنفسنا بمسافة فاصلة تمكننا من التقاط أي توجه لتأثير مشبوه يمارس علينا فيدفعنا للتماهي مع نزعة عنصرية أو تشجيع على الكراهية والعنف أو حتى التصلب والجمود الفكري، فنحن ننتمي لجنس بشري واحد، مصيرنا مرتبط ببعضنا في جماعة إنسانية جبارة يستوجب التجذر فيها تشجيع الانفتاح والتنوع الداخلي والغنى الثقافي ونبذ الفوارق، فالفوارق وهم وجزء من جنون الجماعات يقود إلى الهاوية، لنعيش بالحب ونجعله مصدرا ومظهرا، فهو الحل للمأزق الإنساني ومن أحب الحياة سكنت فيه!!!
@ wallaabdallagas