لو أخذت نظرة على حياتك لوجدتها عبارة عن مجموعة من الذكريات، ذكريات في الماضي تحتفظ بها في صندوق سري بداخلك، مفتاح هذا الصندوق تعمدت أن تلقي به في طي النسيان كي تتجنب أن تعود تلك الذكريات لك وتتصفح أوراق الماضي من جديد..
وقد لا يدرك البعض أهمية الذكريات، لكنها تظل كجزء أساسي من وجودنا، ذكرياتنا هي من تشكل عقليتنا، أنت مع كل تجربة تخوضها منذ الصغر تبدأ عقليتك في بناء رؤيتك الخاصة ونظرتك للحياة والناس.
تبدأ ترى نفسك وتتعرف عليها من خلال المواقف، ونقاط قوتك وضعفك تبدأ في الظهور شيئا فشيئا، فتارة تنجح وتحقق إنجازات صغيرة فتبني ذكريات لطيفة وتبدأ تتشكل ثقتك بنفسك، وتارة أخرى تفشل وتذوق مرارة الخسارة فتبني ذكرى سيئة وتبدأ تشك في أنك تستطيع أن تنجح في تحقيق إنجازات عظيمة وقد تكون هذه المواقف مؤلمة في أحيان أخرى وعندها تدرك أن الحياة ليست وردية كما تظن وأنك لكي تصبح ذا خبرة في الحياة وتعلم غيرك، أنك يجب أن تمر بالعديد من الصعاب وتتقبل فكرة أنك ستحتفظ بداخلك ببعض الذكريات السيئة..
ومن الجدير بالذكر أن الطفل في بداية عمره الصغير لا يملك أن يختار تشكيل ذكرياته، ليس لديه الوعي والعقلية الكافية التي ترشده لفعل هذا، فالطفل يخوض الحياة كما هي، يتذوق كل المعاني ليبدأ وعيه في تصنيف كل المواقف وفق الشعور الذي يستشعره في كل تجربة جديدة يخوضها، ومن هنا يبدأ الطفل في التعرف على حقيقة الحياة وواقعه..
ورغم أنك تتمنى في كثير من الأحيان أن تعود لمرحلة الطفولة، تلك المرحلة التي لم تكن خائفا فيها وأنت مقبل على أي شيء، فأنت تملك ميزة لا يملكها هذا الطفل، هذه الميزة هي كونك قادرا على بناء الذكريات لأنك أكثر وعيا ولديك الخبرة الكافية لكي تعيش لحظات سعيدة أكثر، لحظات حقيقية تدفعك لتستمر بحياتك، ذكريات تذكرك دوما أنك تملك زمام الأمور وأن باستطاعتك أن تصل لأهدافك وتحقق أثرا في كل من حولك..
ومن أعظم الرسائل التي تحملها لك الذكريات هي التي تأتيك كي تخبرك بأنه لا شيء يحدث عبثا، وأن كل ألم تألمته كان قاعدة ثابتة لنجاحات كثيرة ولوعي كبير كان سببا في نقلة عظيمة في حياتك، وبرأيي أن هناك العديد من الجوانب التي سنتمكن أن نصلحها في تفكيرنا لو غيرنا نظرتنا للذكريات واستقبلناها كمرشد ينير لنا في كل مرة جزءا من الطريق..
سعادتنا التي تنبع من داخلنا هي تلك التي تأتي من عقلنا الذي بات يستوعب فكرة أن جمال الحياة ومتعة العيش هي في امتزاج ذكرياتنا السعيدة بالسيئة، فالذكريات السعيدة هي طيفنا اللطيف الذي نعود إليه لنشحن طاقة كلما ضاقت بنا الحياة وذكرياتنا السيئة هي المنبه، المنبه الذي يجعلنا نفيق من غفلتنا كلما شعرنا بالتيه..
احرص أن تبني ذكريات حقيقية وأن تنطلق في الحياة بروح طفل شجاع لا يبالي بالصعاب، واملك عقل البالغ الحكيم الذي بات يستطيع أن يميز اختياراته وأصبح قادرا على بناء ذكريات ولحظات سعيدة تسنده وقت الشدة وتبني عقليته الإيجابية التي تتطلع لترك أثر إيجابي حميد في قلب كل يائس.
[email protected]