[email protected]
أظن أن شهادتي في الشاعر المبدع علي الدميني "يرحمه الله" مجروحة تمامًا، ذلك لأنني زاملته مدة طويلة عندما كان متعاونًا مع هذه المطبوعة، وتحديدًا مع ملحق «المربد» الثقافي الأسبوعي المتميِّز، وقد أسند الإشراف عليه إلى العبد الفقير إلى وجه ربه، كاتب هذه الأسطر، ومن الذكريات العالقة وقتذاك، أن الدميني كان يشنّف آذاننا بآخر قصيدة كتبها ليلة إصدار الملحق، بحضور نخبة من الشعراء، من بينهم محمد العلي، ومحمد القيسي، وعبدالكريم السبعاوي، والقاص عبدالعزيز المشري، وكان يشدُّهم الإعجاب بما يُلقيه الدميني، وهو إعجاب كان يضيء أمامي اللون الأخضر لإجازة قصائده في الملحق، إضافة إلى هذه النقطة، فقد عُرف الشاعر بدماثة الخلق، وهدوء الطبع، وسرعة البديهة، وسعة الاطلاع، وصحة الرأي، ويحفظ الكثير من قصائد شعراء العربية القدماء والمحدثين عن ظهر قلب، ويعلّق على سلسلة من القضايا الثقافية المعاصرة المطروحة بفكر ثاقب ونيّر، ينمُّ عن إحاطته بأدق تفاصيلها وجزئياتها.
وقد أسعدني الحظ بالوقوف على أمسية رائعة سلَّط فيها منتدى الثلاثاء الثقافي بمحافظة القطيف لصاحبه المهندس الأستاذ جعفر الشايب الأضواء على التجربة الشعرية المتميزة التي خاضها الشاعر علي الدميني، حيث تماوجت فيها المشاعر الجيَّاشة مع القراءة المستفيضة للتجربة من قِبَل المشاركين في الأمسية من الكُتَّاب والشعراء، وليس بخافٍ أنها تجربة ثرية وملهمة، تميَّزت بتعدد الألوان والأطياف الشعرية التي نمت عن ذائقة شعرية رفيعة تمتع بها الدميني، فظهرت بأشكال وصور أخَّاذة رسمت أبعاد اجتراحه التجديدي مع تركيزه الواضح على أطياف النسيج الاجتماعي كواحدٍ من أبرز المثقفين بالمملكة، وقد أضافت تجربته الرائدة تلك مساحة شاسعة لنوافذ الإبداع على قضايا التنوير بمختلف أشكالها الأدبية، فشغفه الإبداعي كشاعر، وإخلاصه الفكري كمثقف أدَّيا إلى تطوير مواقفه النقدية الصائبة داخل الحركة الثقافية، فالتجربة ذات مشارب ثقافية رسمت بدايات الحداثة الأدبية في وطنه مقترنة برؤية معرفية واسعة، ظهرت واضحة في كل أعماله.