يعملون لتعظيم مساحة الجهل والتجهيل. يرون أنفسهم مراجع لتوجيه حياة الناس، وفق مفاهيم تنافي العقل. أتعجب من تأكيدهم أفعل (كذا وكذا) لتدخل الجنة -يقولونها بثقة وأيمان غليظة-، وكأن أمرها بيدهم. لم يبقَ لهم سوى إصدار صكوك تضمن الجنة.
إذا غابت وظيفة العقل وبوصلته المثالية ساد الفكر الجاهل الذي يعظّم الصغائر، وينشر التجهيل. عطَّلوا قدرات العقل عنوة بقولهم: هذا ما كتب الله لك. جعلوا من الله شيئًا مرعبًا يهددون به خلقه.
ينشرون الجهل والتجهيل والخنوع والكراهية. لا يحثون على العمل إلا بقدر ما يخدمهم. يعظّمون أمر التوكل بزيادة مساحة الكسل، وانتظار الفرج دون عمل أو تعب ومشقة. يؤلفون أدعية وينشرونها لضحاياهم لجلب المال والصحة والعافية، ومنع الحسد. يطلبون حفظها وتكرارها كعلاج. هكذا أصبح الدواء عندهم يعجُّ بالهراء. يعملون لتجهيل العامة، ثم ينعتونهم بالدهماء. يسرقون الناس إمكانياتهم وطاقاتهم وأموالهم وعقولهم، ويتحكمون في فكرهم ومعلوماتهم، لتحقيق مآربهم أيًّا كان نوعها، ثم يسوقونهم إلى حتفهم خوفًا وجهلًا وتخلفًا. هذا الفكر مرض خطير وخبيث يفتك بالعقل.
نحن بحاجةٍ كأفراد إلى التأمل، والتفكير، والتدبُّر، والتحليل، والاستنتاج. نحن بحاجة إلى التحرر من قبضتهم. نحن بحاجة لتشكيل أنفسنا بالعلم والوعي حتى لا ننساق لفكرهم المنحرف. فقدوا إبرة ميزان حياة العمل والتعلم والكرامة والعزة. علينا تجنّب كل مَن يدعو إلى الفكر الاتكالي، والموت والكراهية، وتغييب مسؤولية الفرد تجاه نفسه، وتجييرها إلى الله (اتكالًا) على أنها عبادة وتقرُّب دون عمل. جعلوا الناس ينتظرون شيئًا اسمه (الفرج) في بؤس حتى نهاية أعمارهم، في ظل تغييب الحث على إتقان العمل الجاد لبناء الحياة. المصيبة تتعاظم عندما ينصِّبون أنفسهم علماء، يقدمون الحلول في كل مجال. منها تقليل شأن تحديات ندرة المياه، واستنزاف المياه الجوفية الإستراتيجية.
نادوا بتأمُّل (النملة) وقدرتها على التحمُّل والعمل، ثم حوَّلوا إبرة البوصلة إلى العمل من أجل الآخرة. عندهم العمل من أجل الدنيا مضيعة. تجاهلوا أن العمل عبادة. أوصلوا البعض حد الاعتقاد بإنهاء الحياة لملاقاة حور العين. هكذا أصبح الطموح والأمل في قاموس حياة الجهل والتجهيل والاتكالية. يحثون على تعطيل بناء الحياة بالزهد. ضاعفوا أمر التضييق بالفهم الخاطئ. جعلوا من أنفسهم أطباء رقية. وعلماء لتفسير الأحلام. أصبحوا مراجع للكرامات. عظَّموا أمر الجن، وأمراض العين والحسد، لمزيد من صرف أدويتهم البلهاء. تحدثوا عن (النحلة) وتنظيمها الفريد في خليتها، ثم وظفوا هذا للدفع بالعامة في طوابير مدد التخلف والإرهاب، وتفجير النفس من أجل سلامتهم وسيادتهم. جعلوا من أنفسهم أولياء ومراجع. احتلوا المنابر فأصبح الناس يدعون لهم ويدعون على مَن يعاديهم. معهم طغت وتعددت طوابير التخلف، والتشدد، والتزمُّت القاتل للنفس، بعيدًا عن قِيَم العلم التي توظف المؤشرات، وليس التوقعات الغيبية التي يزرعون بعيدًا عن العلم ونظرياته وتطبيقاته. العلم نبراس الحياة ولا شيء غيره،
وجدت البحث عن الوفاء والأوفياء في هذا الزمن يأتي من تربية الكلاب وليس منهم. وكنتُ أعرف بعضها في قريتي التي اندثرت وتهدّمت وماتت معها كلابها الوفية. فانتقلت -طالبًا للعلم- إلى الغرب ورأيت العجب. في الوقت الذي اقنعونا بأن تربية الكلاب حرام، وجدت الناس في الغرب متعلقين بهذا الكائن الذي عظَّمه العرب وشأنه. كنتيجة عشتُ مرحلة صدمة التناقضات. لم أقتنع يومًا بمبررات عدم تربية الكلاب في البيوت، بل هي ضرورة.. على الأقل لتعلم الوفاء منها وحِس المسؤولية. لا أقول إنها أفضل من تربية الأطفال، كما يقول الدكتور (مكلاهوني)، ولا أدعوكم لوقف الإنجاب كما يدعو. لكن أدعو لتربية الكلاب، فهي لا تدعو إلى الكراهية والتجهيل. لكنها تحمل الحب والوفاء.
ما جعلني أختم بهذا.. ظهور دراسة علمية غربية تقول إن الكلاب تحب أصحابها. أما تجربتنا العربية فتقول: بوفاء الكلب. وبعد.. أليس الوفاء مرد هذا الحب؟ البعض من العرب تحوَّل إلى كلاب (ضالة) تنهش وتعض.
twitter@DrAlghamdiMH