يمتلك كل فرد مساحته وحدوده الخاصة، والتي يُمنع أن يتجاوزها أي شخص آخر، والخصوصية هي حق للفرد؛ لأنه من خلالها يستطيع أن يحافظ على حياته الشخصية، وطبيعة الإنسان وحاجته إلى المساحة الشخصية هي جزء من نشأته التكوينية؛ لأن الله خلق الإنسان حرًّا، وله كامل الحق في التعبير عن أفكاره، مشاعره، ووجهات نظره، طالما أنه لا يحاول الإساءة لنفسه ولغيره.
«لماذا لم تتخرج؟ لماذا لم تتزوج؟ لماذا لم تعمل حتى الآن؟» انتشرت في مجتمعنا ظاهرة اختراق الخصوصية، وقد يجهل الكثير من الناس مدى أهمية احترام خصوصية الآخرين، بل يعطي البعض نفسه أحقية بتجاوز تلك الحدود والمساحة الشخصية، وذلك عن طريق الأسئلة المستمرة، والتدخُّل فيما لا يعنيه في أمور الناس. ولا يقتصر انتهاك الخصوصية بالأسئلة، بل هناك ما يُسمَّى بانتهاك الخصوصية الفكرية، وهي انتهاك قِيَم ومبادئ الإنسان، وعدم تقبُّله وتقبُّل أفكاره، ومحاولة فرض الرأي عليه.
وعندما نأتي للجانب الديني، فالإسلام حثَّنا على احترام خصوصية الآخرين، ونهانا عن التجسس لما فيه من انتهاك لحريات الآخرين، لقول الله تعالى: (ولا تَجَسَّسُوا...) سورة الحجرات [آية 12]، ولقول النبي "صلى الله عليه وسلم": (من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه)، ولا بد من أن يعي المجتمع ضرورة احترام خصوصية الشخص، والحفاظ على أسراره؛ لما يعود عليه من عدة أمور إيجابية، مثل زيادة وانتشار الثقة بين الناس، وتوثيق الرابط الاجتماعي فيما بينهم، ولكن في حال تجاوز الأفراد الحدود، وانتشار التدخُّل بالناس فسيؤدي إلى ضعف الثقة، والتعدِّي على حق الآخرين.
واحترام الخصوصية يؤدي إلى الحفاظ على الحدود الشخصية، ودون معرفة معنى الحدود الشخصية لن نستطيع أن نلاحظ أننا قد تعدَّينا على خصوصية الآخرين، والحدود الشخصية ليست بشيء ثابت، بل تتنوَّع وتختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر، وتختلف من فرد إلى فرد آخر، وذلك حسب شخصيته، والعادات والتقاليد وثقافة المجتمع.
ومع التطور المستمر في التكنولوجيا، بدأنا نفقد كل ما يندرج تحت مسمى «الخصوصية والمساحة الشخصية»، فأصبح من السهل الاطلاع، ومراقبة تفاصيل حياة الآخرين، ونشر بعض المعلومات والصور دون علمهم، وهو أمر غير مقبول.
ولا يقتصر احترام الخصوصية على الأشخاص الغرباء فقط، بل يجب احترام خصوصية الأسرة، سواءً بين الزوجين أو بين الإخوة.
وأخيرًا، نحتاج أن نعرف كيف نحترم خصوصية الآخرين فهو واجب أخلاقي ديني، ونحتاج أن ننشر هذه الثقافة في مجتمعنا حتى ننشئ جيلًا مثقفًا يعي معنى مصطلح الخصوصية، وذلك من أجل استقرار واعتدال الحياة بالمجتمع، ومن المهم أن يعرف كل فرد عيوبه، وأن يحاول التطوير من نفسه قبل أن يراقب مَن حوله، وقبل أن يتخذ التدخُّل والانتقاد هواية له، فهو أمر ضروري يجب أن يتعلمه كل شخص منذ الصغر.