[email protected]
بيت من الشعِر، أم بيت من الشعَر، أم أحرف نظمت عزفًا على وتر. هكذا اختزل العربي وجوده في كسرة أو في فتحة. الشعر ديوان العرب. لقد رأى العربي نفسه في لغته فنسج منها مأواه، بنى بها بيته، وعمّر منها عمارته. هذا هو بيت الشعر. الشعر عمارة العرب.
حديثنا اليوم ليس عن بيت الشعر، ولا عن بيت الشعر. حديثنا اليوم عن البيت، ميدان البيت الذي استضاف حفل افتتاح مونديال العرب في بيت العرب على أرض العرب.
البيت بيتك، عبارة يبادر بها العربي ضيفه ليُشعره بقيمته. إنها عنوان ضيافة ورمز محبة. إنها قيمة ضاربة بجذورها في أعماق كل عربي.
هذا ما وفّى به ميدان البيت الذي جسَّد كل معاني الضيافة في أبهى حُللها. لقد أعاد ملعب البيت رسم مفاهيم وقيم الضيافة والتنظيم والعمارة. سيحدثك مَن شهد حفل الافتتاح عن سلة ضيافة تضمنت فيما تضمنت عطرًا وشالًا وقميصًا وتذكارًا في سابقة من نوعها في تاريخ كرة القدم. وسيحدثك مَن رأى الحفل عن لوحة فنية أدبية ثقافية ثاقبة في ثوب سمعي تُطرب له الآذان وبصري تتكحل به الأبصار. لقد كان حوار الحضارات لا صراعها هو جوهر ذاك الحفل الأسطوري.
وتبقى عمارة البيت عقد تاجه وذروة سنامه. يبدو البيت من الخارج خيمة عملاقة (فسطاطًا)، وإن كان أقرب إلى التقليد والمحاكاة منه إلى التجريد من دون الإخلال بقيمته. غير أن تفرّد عمارته في داخل الميدان. فما إن تُطل برأسك من على مدرجاته إلا وتشعر بأنك في مكان تمت الإحاطة به وأنت جزء منه. إنك تشعر وكأنك في صالة بيت أو في بهو فندق أو في قاعة أفراح أو في مسرح كبير. هذا هو الاحتواء في أبسط معانيه.
تم ذلك في تكامل وانسجام بين هيكل الملعب وسقفه مع مدرجاته. عمارة الفراغ وتناسب مقاييسه هي السمة التي جعلت منه الملعب ذا القدح المُعلَّى بين أقرانه الثمانية. ويبقى اللون العنابي ودرجاته في تباينها مع أنماط هندسية على مدرجات الملعب، وهي تحاكي في تفاصيلها أنماط السدو المنتشرة في الجزيرة العربية، إضافة متميزة لعمارة البيت.
هكذا أعاد ميدان البيت تعريف الملاعب الرياضية في سابقة نوعية في العمارة الخليجية المعاصرة.
هذا داخل الملعب. أما خارجه، ولأن المونديال هو مونديال العرب، فقد حوَّلت الجماهير التي تقاطرت إلى قطر المونديال إلى مونديال ثقافة بامتياز.
في قطر تحوَّل الزي الخليجي إلى مهرجان لباس بامتياز. فقد تزيّن كل مشجّع بثوب وغترة وعقال من نسج عَلم دولته. هكذا حوَّلت الجماهير كأس العالم إلى كرنفال من الزي الخليجي، وكأن الثوب والغترة والعقال قد حطَّت رحالها في كل مكان.
ولا يكتمل الحديث عن كأس العالم بدون الحديث عن الموكب المناصر لمنتخب الصقور الخضر. فقد تفتقت مخيّلة مناصريه عن فكرة ملحمية أسطورية من عمق التاريخ. فها هو حصان طروادة الأسطوري يعود للحياة مجددًا في موكب الوسيل، وسط مشجعي المنتخب، وقد تحوَّل الموكب إلى سيل هادر من الأعلام الخضراء خلف حصانها الأشهب.
وإذا كان حصان طروادة أسطوريا يرمز للحيلة والدهاء، فإن حصان الوسيل رمزي بامتياز. فالحصان هنا يعبِّر عن نهضة المنتخب بعد سقوطه في موقعة بولندا، فيا له من رمز، ويا لها من مخيّلة.
غير أن هذه النهضة لم يُكتب لها النجاح لأسباب تخرج عن نطاق الحديث هنا. يبقى الإنجاز الذي سطَّره أفراد المنتخب، وما قدَّموه عزاءً لنا ولكل العرب الذين ما زالت آمالهم معلقة على أسود الأطلس.
الفوز والخسارة وجهان لعملة واحدة في كرة القدم. صناعة الفوز ثقافة، ومتى ما ترسخت لدى المؤسسة الرياضية على مختلف أصعدة المؤسسة أصبح الفوز ديدن المؤسسة. لقد آن للاعبي المنتخب الاحتراف خارجيًّا إن أردنا الفوز. هذا هو مربط الفرس.. فمتى نحن فاعلون؟