قبل أيام معدودة مر علينا يوم عالمي يستحق التوقف عنده، ولكن يبدو أن زخم كأس العالم أشغلنا عنه، ألا وهو (اليوم العالمي للطفل)، وهي مناسبة عالمية منذ (1954م). وقد تم اختيار (20) من شهر نوفمبر لأنه يوافق اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة اتفاقية حقوق الطفل عام (1989م)، ثم بعدها بسنة بدأت الاحتفال الرسمي بوصفه ذكرى سنوية للتذكير بحقوق الطفل، وإذكاء الوعي بأطفال العالم وتحسين رفاهيتهم. ودوليا، يعرف الطفل بأنه الشخص الذي يقل عمره عن (18) سنة.
ويأتي الشعار لعام (2022م): «الشمول لكل طفل». وأهم قضايا الطفل هي المأوى والتعليم والصحة وعدم العنصرية والتميز، والحماية من التنمر والتحرش. وأيضا حماية الأطفال من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية.
والأطفال حول العالم يشكلون ثلث سكان الكرة الأرضية، وبحسب اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) والبنك الدولي: فإن طفلا واحدا من بين كل ستة أطفال يعيش في فقر مدقع. وذكرت اليونيسف أن أكثر من (27) مليون طفل معرضون للخطر بسبب الفيضانات المدمرة التي سجلت أرقاما قياسية في جميع أنحاء العالم. وأضافت: «العنف والنزاعات والاضطرابات تسلب حياة حوالي (580) طفلا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ بداية العام». والواقع أن الأطفال وللأسف هم في الغالب من يدفع ضريبة الكثير من الأخطاء والمصائب والحروب التي يكون سببها الكبار. وحتى على المستوى الاجتماعي، فإن التصدعات الأسرية يدفع ثمنها أيضا الأطفال.
ولابد من التأكيد أن مسؤولية تربية الطفل تقع على الوالدين في المقام الأول. وهناك عاملان رئيسيان يؤثران في الطفل وفي تشكيل شخصيته وهما الوراثة والبيئة (التنشئة)، وتأثيرهما يبقى في الذاكرة ويظهر جليا في سلوكياته وتصرفاته طوال حياته. وفي بيت الشعر المشهور يقول أبو العلاء المعري: وينشأ ناشئ الفتيان فينا... على ما كان عوده أبوه. وقد جاء في الحديث النبوي: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، فالطفل حين يولد يكون كالعجينة ثم تتشكل الشخصية، وهي متباينة ومتفاوتة من إنسان إلى آخر. والله سبحانه وتعالى قد قال: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون».
إذا بسبب الوراثة والنشأة سوف نلاحظ ذلك التفاوت بين الشخصيات والسلوكيات والمنجزات. ولعل إعطاء المسؤولية بالتدرج للطفل وبشكل مهام صغيرة وبسيطة في البدايات يصقل الشخصية ولو بعد حين. ومن هنا نجدنا في كثير من الأحيان أننا نبهر من نباهة وتفوق فئة منهم في سن مبكرة وفي جوانب مختلفة قد تكون علمية أو أدبية أو ثقافية أو رياضية. والشيء بالشيء يذكر فمما قرأت عن محمد إسماعيل البخاري (صاحب كتاب الصحيح) أنه حين كان طفلا (11 سنة) يحضر دروس العلم ذكر شيخه حديثا بسند خاطئ فقال الطفل (البخاري): ليس هذا السند بصحيح، فنهره شيخه، فرد عليه: انظر الأصل الذي عندك. فنظر الشيخ في الكتاب ثم قال للطفل: كيف هو يا غلام؟ فقال هو فلان عن فلان. فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال: صدقت!
ومن الغرائب واللطائف في هذا الشأن، أن أصحاب المذاهب الثلاثة (الأئمة: مالك والشافعي وابن حنبل) قد فقدوا آباءهم في الصغر، فكانت أيام الطفولة على يد الأم، وكان اختيار البيئة الصحيحة في التربية والنشأة هي التي أخرجتهم علماء جهابذة. واليوم نحن نرى أن علمهم وآراءهم ومنهجهم يؤثر في ملايين البشر حول العالم. وبناء على ذلك، فالتربية للطفل أشبه ما تكون بالزرع إن اعتنيت به أثمر، وإن أهملته ذبل.
وأما معادلة النبوغ منذ الصغر فهي (الموهبة أولا والاهتمام ثانيا).
abdullaghannam@