كيف تنظر إلى العالم؟، هل ترى نفسك مستكشفًا يقف بفضل وعيه في كون شاسع ومجهول؟، فكلٌّ منا ينظر للحدث بمنظاره الخاص، قد يبدو العالم غنيًّا ومشوّقًا ومليئًا بالمعاني أو قاحلًا وكالحًا وسطحيًّا، فكثيرًا ما تكون عدستك التي ترى منها الحياة ضيقة تختزل قدراتك ومتعتك ومسراتك.
لا تحد من طواف ذهنك، ولا تجزع إذا ظهرت لك فجأة بعض أفكار تناقض ما كنت تؤمن به، تمسك بروح الطفولة وفضولها، هذا الانفتاح سيُطلق فيك قوى إبداعية لم تكن تدركها، ويمنحك متعة عقلية كبيرة، ستكتشف في لحظات غفوتك وأحلامك أو لحظات إعيائك رغباتك المكبوتة في عقلك الباطن، فعقلك الباطن عالم آخر ينتظر اكتشافك له.
مع تقدُّمنا في العمر نزداد ميلًا لوضع حدود لسقف توقعاتنا من الحياة ونستبطن انتقادات الآخرين وشكوكهم، فتصبح تلك الحدود حدودًا لنا فننزوي في مكانة متواضعة في هذا العالم، لكن أحيانًا يروِّج الناس للتواضع بنية سوداء لإبقائك في منزلة دونهم.
بدوري أدعوك لما عبّر عنه الاختصاصي النفسي إبراهام ماسلو (بتجربة الذروة)، وهي تجربة تقوم على مستويات عالية من الثقة والإيمان بالنفس، تمنحك المرونة إذا عارضك الناس، وتساعدك على استعادة ثقتك بنفسك إذا أخفقت؛ لأنك تؤمن بأنك مُعدّ لشيء عظيم له معنى في الحياة، تلك التجربة تتجلى في لحظات تترفّع فيها عن صخب الحياة المعتاد؛ لترتحل إلى ما وراء حدودك الظاهرية، وتوسع ما كنت تظن أنه إمكانياتك، ويظل تأثيرها على نظرتك للحياة إلى الأبد، وتبقي في الذاكرة مرجعًا دائمًا تنال منه الإلهام.
ربما شعرت بأن هذه الطريقة في النظر إلى ذاتك تناقض الموقف الفاتر الذي يحاول غالبية البشر إظهاره في عالم ما بعد الحداثة، حيث التظاهر الدائم باللا مبالاة وتواضع زائف، لكن الواقع أن هذا الموقف الفاتر ما هو إلا قناع ماكر لإخفاء مخاوفهم الكبيرة من تفوق الآخر، أو الإخفاق في الوصول إلى أمانيهم أو حتى الخوف من إظهار قدر كبير من العاطفة، لكن كحال كل الميول المقيّدة سيكون مصير الموقف الفاتر إلى الاضمحلال؛ لتبقى شعلة الشغف وقوة الحياة متقدة إلى الأبد.
لدى كل منا ميل طبيعي في أخذ ما يقوله الناس أو يفعلونه على نحو شخصي موجَّه إلينا مباشرة، لكن حتى لو انتقدك الناس أو تصرّفوا ضد مصالحك، فغالب ذلك نابع من ألم عميق قديم في أنفسهم لا يتصل بك شخصيًّا، لكنك كنت هدفًا للتنفيس عن إحباطاتهم واستيائهم المتراكم عبر السنين.
لذلك تموضع في مكان محايد عندما يواجهك البشر بما لا تحب ولا تتورط في معارك تافهة تستنزفك، فالناس حقائق في الطبيعة لهم أصناف شتى كالأشجار والأزهار، منهم الحمقى والنرجسيون والمعتلون نفسيًّا، ومنهم النبلاء والأخيار، فيجب أن تقبل اختلافهم وألا يشكل هذا الاختلاف تحديًا للأنا، بل يحب أن ترحب به وتقبله، ذلك لا يعني إلا أن نكافح لتغيّر السلوكيات المؤذية عند القريبين منا، ومن هم في نطاق تأثيرنا، لكنه يعني أننا لن نستطيع إعادة تصميم نفوس البشر.
نفس الإنسان ليست فكره أو عقله، إنما هي الروح الإجمالية التي يجسّدها، إنها طريقته في مواجهة العالم، وهي ذات أعماق وأغوار فاسعَ لامتلاك قوة روحية ترتقي بك؛ لتكون من أصحاب النفوس الكبيرة الذين يتحدون مع قوة الحياة، فهي قوة عظيمة لا يسَع أحدنا أن يدركها تمام الإدراك أو يتحكّم بها، يمكنك فقط أن تتصل برحابة الحياة، وتمتلئ بقوتها.
@wallaabdallagas