لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت أخبار مونديال كأس العالم في قطر، ابتداءً بالاستعدادات الضخمة، والافتتاح، مرورًا بانطلاق المنافسات، وفوز الأخضر على أحد المنتخبات المرشحة، وحتى الأدوار المتقدمة الآن، الموضوع لم يكن مجرد حدث رياضي عابر، وليس كأس عالم يقام كل أربع سنوات، بل نسخة استثنائية للمرة الأولى تُقام في الشرق الأوسط والعالم العربي، الكل اهتم بهذا الحدث حتى من غير الرياضيين، فالتنافس والأخبار والملاعب والمرافق وفعاليات البطولة، وتصرُّفات المشجعين، والتنمّر بينهم وعلى بعضهم، كان له نصيب الأسد منها، كيف استطاعت كرة القدم أن تجمع الثقافات المختلفة حتى أصبحنا نشاهد البرازيلي والياباني والمكسيكي والسنغالي والإنجليزي يرتدون الغترة والعقال والثوب، ويتباهون بذلك، ويلتقطون الصور مع الجميع، بل وأمام كاميرات العالم أجمع، يومًا ما قرأت أن رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا أقوى تأثيرًا من أمين عام الأمم المتحدة، فرئيس الفيفا لم يحتج قط لأن يُعرب عن قلقه أمام ما يمتلكه من قوة ناعمة تسيّرها عواطف عشق كرة القدم، الكبار والصغار، الشيوخ والنساء الضعاف والبدناء، كلهم يتكلمون عن كأس العالم، المطاعم والمقاهي ومحلات الحلاقة، وورش السيارات، ومحلات الملابس كلها تعرض المباريات وتتابعها، العواطف لا يستطيع أحد صنعها، ولا تعديلها ولا تصحيحها، فمن يحب السنغال يحبها ويعلم يقينًا أنها لن تحصل على كأس العالم، وكذلك الأندية يحبها مشجعوها، حتى لو كانت عديمة الإنجاز ماضيًا ومستقبلًا، العاطفة هي محرك الإنسان الرئيسي لقلبه وجوارحه.
قبل يومَين قال لي زميل إن كرة القدم أشغلتنا، وأشغلت الكرة الكروية، ويقصد الكرة الأرضية، وهنا قلت: صدَقت ولا تحتاج للتصحيح، فالكرة الأرضية الآن كروية الشكل والمحتوى، فكل ما بها ينطق بكأس العالم، لن أتحدث عن البرازيل والأرجنتين بالذات الذين يأكل شعبها ويشربون مع كرة القدم، ولكني أتحدث عن بلدان لم تشارك، بل ولا تشتهر بهذه اللعبة، ومع ذلك كان لهم حضور وتواجد.
هذه التظاهرة العجيبة الرائعة تتسابق لها الدول كل أربع سنوات؛ لتحظى بشرف تنظيمها، وتبذل الكثير من الأموال والمجهودات على البُنى التحتية والفوقية، وللمنتخبات والوفود المشاركة من سكن ومقرات للتمارين وتنقلات، ومن تنظيم لحشود الجماهير وسكنهم وغذائهم ورعايتهم وشبكة الخطوط الناقلة من مطارات وقطارات وبواخر، وحتى تأمين المستشفيات، وما قد لا يخطر على بالي وبالك الآن.
كل ذلك كفيل بتحويل بوصلة العالم تجاه هذا الجلد المدور الذي يشعل العواطف ويملؤها فرحًا أو حزنًا والعيون دموعًا. ما قدَّمه الأخضر عمل كبير استحق التصفيق والهتاف، كان أبطالنا في الموعد، وحققوا حين كانت الظروف مناسبة، والأدوات جاهزة، إنجازًا أخرس العالم، الذي كان يتهكم بهزيمتنا الحتمية، إلا أن كل ذلك كان تحت الطاولة التي قلبناها، مصارعو بولندا ولكماتهم أمام سكوت الحكم، وتعدد الإصابات، كانت سببًا لحرماننا من مزيدٍ من الإنجاز، ولكن "الحمد لله على كل حال"، وكلنا ثقة بمنتخبنا، وبكل القائمين عليه في مقتبل المحافل "بإذن الله".
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل "بإذن الله"، أودعكم قائلًا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبدًا)، في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi