نشرت عدة مقالات اقتصادية في عدة صحف سعودية قبل حوالي 20 عاما، حيث كنت أتمنى فيها توجه دول النفط العربية الخليجية وعلى رأسها المملكة شرقا نحو الدول الآسيوية النامية والناشئة لأن مستقبلها واعد يلتقي مع الدول العربية النامية والناشئة في الكثير من النقاط الإستراتيجية. تلعب المملكة اليوم دورا محوريا وقويا ومؤثرا في العقدين الأخيرين في الاقتصاد العالمي بما فيه اقتصادات الدول الآسيوية المؤثرة في الاقتصاد العالمي مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والهند وغيرها من الدول النامية والناشئة ذات العلاقة الطيبة مع المملكة. تحتاج الدول الآسيوية النامية والناشئة المملكة في مجال الطاقة على وجه الخصوص كونها أكبر منتج ومصدر للنفط، ناهيك عن حاجتها للغاز والمعادن. كما أن المملكة تحتاج للتعاون مع تلك الدول في المجالات الصناعية والتجارية. المملكة دولة ناهضة في مدة زمنية قياسية وقصيرة بوتيرة سريعة وقوية.
الحقيقة أنه لا تستغني دولة عن الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها المختلفة من السلع والخدمات، بحيث أصبح التكامل الاقتصادي بين الدول من مبادئ منظمة التجارة العالمية والتجارة البينية بين دولتين أو أكثر. ولقد بنت الولايات المتحدة على سبيل المثال علاقاتها مع كل من ألمانيا واليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية بالرغم من التنافر السياسي، وذلك لبناء اقتصاد على أسس اقتصادية متينة من خلال مشروع مارشال الذي أعاد بناء اقتصاد ألمانيا بطريقة تزيد من التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول المتحاربة، وذلك انطلاقا من الفلسفة القائمة على أن المصالح المشتركة تخدم السلام الذي بدوره يخدم النمو الاقتصادي، وبالتالي تنمو معه الاستثمارات المشتركة. نلاحظ ترابط مصالح الشعوب ودولها بشكل غير مسبوق في العقدين الأخيرين ما يجعل الهوية الوطنية للشركات العابرة للأوطان تتحول إلى العالمية بناء على مصالحها لتنتهج درجة عالية من الحساسية تجاه زبائنها والدول التي تنتمي لها من حيث الثقافة والدين والقيم والعادات والتقاليد.
الزيارات الأخيرة المتعددة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى إندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلاند وغيرها تؤطر لتعاون واعد متعدد الجوانب بين المملكة والدول الآسيوية الصديقة التي تسعى للتقارب مع المملكة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية. وقد تنتج عن المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدول تحالفات أمنية وعسكرية لحمايتها من المخاطر والصراعات التي تهددها بأي شكل من الأشكال. وليس بالضرورة أن تتفق المبادئ السياسية عامة بين الدول الآسيوية، لكن نرى نسبة كبيرة من التطابق بين المصالح السياسية والمصالح الاقتصادية. يبني تعاون المملكة مع الدول الآسيوية النامية والناشئة جسرا قويا من التحالفات في المنظمات الدولية، ويقوي التعاون في مجال الإبداع والابتكار والاختراع الذي يحرك التنمية الاقتصادية والتعاون بينها وبين الدول الآسيوية التي ترغب في التعاون معها في مجالات عديدة منها الطاقة التي تعتبر المملكة رائدتها منذ عقود طويلة. تعد المملكة المحرك الأساسي في سوق الطاقة من حيث الاستقرار والاستدامة والنمو الاقتصادي العالمي.
الخلاصة أن علاقات المملكة بالدول الآسيوية عامة والنامية والناشئة خاصة قائمة على أسس من التعاون والاحترام المتبادل الذي يخدم مصالح الأطراف المتعاونة بالشكل المطلوب، بل من المهم أن تكون مصالحنا في مقدمة أولوياتنا. كما أنه من الضرورة بمكان تبني القرارات التي تحفظ مصالحنا. إن وجود المملكة في منظومة تعاون آسيوية خيار إستراتيجي لا غنى للدول الآسيوية عنه.
كلية الأعمال KFUPM
@dr_abdulwahhab