lailasaad07@
في ظل ما يحدث اليوم على منصات التواصل الاجتماعي وما نراه في الآونة الأخيرة من اتخاذها منبرا لمن لا منبر له.. !
نحتاج فعلا لوقفة مع الذات نتساءل عن وعي البعض بضوابط إبداء الرأي وحدود حرية التعبير عنه؟!
يغفل الكثير منا قوة الكلمة لذلك وصى الرسول صلى الله عليه وسلم محذرا إيانا بقوله (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا) رواه الترمذي وحسنه، وفي معناه حديث رواه البخاري ومسلم.
فهل تساءلنا يوما عن وقع كلامنا وكيف هو أسلوب وطريقة كلامنا مع الآخرين؟ وما هي الحاجة إليه والغاية منه؟
وماذا عن أثر الكلمات التي نختارها لنعبر بها عن أفكارنا ومشاعرنا أثناء حديثنا مع الناس؟ ما هي الضوابط والموازين التي تحدد جودة حوارنا وأحاديثنا مع الآخرين؟
نحن تعلمنا الكثير من هذه الضوابط والموازين ومن خلال قنوات تربوية مختلفة بعضها اكتسبناه من موروثنا من العادات والتقاليد مما يردده لنا الآباء والأمهات إذ علمونا من خلال الأمثال الشعبية أو من الأعراف المتبعة ماذا يقال وكيف يقال وما الذي لا يقال، تعلمنا من الكبار متى نتحدث ومتى نصمت، تعلمنا أن هذه الكلمة صح وتلك خطأ وهذه عيب وهذه لا تقال لغريب وتلك لا تنطق في حضرة قريب، وهكذا نشأنا وفي جعبتنا تراث مليء بلا شك بالكثير من القيم والحكم التي تشربناها بشكل غير مباشر من خلال القصص فكان الهدف من الرسالة واضحا والعبرة جلية، فأدركنا قيمة ضبط اللسان والحذر من زلاته فتعلمنا الكثير عن آداب الحديث، واليوم القوانين الصارمة تتكفل بتعليم من لم تعلمه الحياة إذ تحرص الدولة على الحفاظ على أمن واستقرار أفراد المجتمع مقيمين ومواطنين على حد السواء، للحد من الإساءة اللفظية وتجرمها فسنت لها العقوبات التي تكفل للجميع العيش تحت مظلة قانونية ينعم المجتمع تحتها بالاحترام.
هذا يقودنا إلى تساؤل أعمق !
هل كلامنا مع الآخرين يعكس ما بداخلنا حقا؟ هل مسموح لنا أن نقول أي شيء يخطر في بالنا؟ دون النظر في الاعتبارات؟
وصف اللسان في كتاب ٤٨ قانونا للسلطة حيث يقول الكاتب (لسان الإنسان وحش لا يستطيع إلا القليل أن يسيطر عليه) مع هذا الوصف للسان وتحديدا كلمة (وحش) أجد نفسي وربما الجميع نتفق على أن هناك فعلا الكثير من التجاوزات تحدث دون مراعاة للاعتبارات التي يجب احترامها أثناء الحديث ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر، لا تتحدث إلا بما فيه المنفعة، اختيار الوقت المناسب، لا تخرج عن الموضوع، لا تقلل من أهمية كلام الآخرين، استمع جيدا، فأين هؤلاء منها؟
وفيها الكثير من الآداب التي ينبغي التحلي بها وتعويد النفس على تهذيب مفرداتها وتذوقها قبل النطق بها..
إن مسألة إبداء رأينا بالآخرين أو طرح التعليقات على سلوكياتهم من أي منبر وفي أي مكان سواء عن طريق التعامل المباشر أو من وراء الأجهزة هي مسألة حساسة جدا ولها آثارها الإيجابية والسلبية لذلك يجب عدم الاستهانة بأي كلمة تصدر منا ولو على سبيل المزاح لأن في بعضه تلميحا قد لا يلقى القبول..
يجب عدم استخدام كلمة (امزح) أو (هذه حرية التعبير) كمبرر لأي أمر يتعلق بكرامة الآخرين والمساس بمشاعرهم فهي شأن لا مزاح فيه ولا يحق الخوض فيه تحت شعار حرية التعبير، بل إن القول الطيب هو من خصال الإيمان بالله، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت».. رواه البخاري ومسلم.
لا يتحدث مع الناس بالكلمة الطيبة إلا شخص عمله وقلبه طيب ونيته سليمة لأن الأقوال تكشف الأفعال فمن كان قوله حسنا لابد وإن فعله حسن، ودائما وأبدا نحن نستدل على شخصية الآخرين من خلال كلماتهم فهي مقياس رجاحة عقولهم ودليل على مدى استقرارهم النفسي وهي ميزان صدق أعمالهم، ففي سورة البقرة ٨٣ (وقولوا للناس حسنا)، (وقولوا) فيها أمرنا الله بانتقاء الكلام والألفاظ والتودد بالكلام والقول الطيب (للناس) فنلحظ أنه لم يحدد أداء هذه العبادة لناس معينين كما حدد في الأوامر الأخرى في نفس الآية فأعمال البر والإحسان عبادات حددت لمن تؤدى فذكر أنها للوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، أما القول الحسن فقد شمل به الناس جميعا لما للكلام الطيب مع الآخرين من أثر نجد مردوده في نشر السلام والمحبة بين الناس، الأقوال هي مرآة القلب والعقل وهما دليل على سلامة النية والتي بدورها تصنع القدرة على اختيار الكلمات اللطيفة التي تعكس اللطف والرحمة وتعطي شعورا بالأمان.
فالقول عمل والله يحب العمل الطيب فكن من الطيبين.
ولأن الكلمة مسؤولية فلنكن مسؤولين عن كلماتنا ولتكن هذه المسؤولية سلوكنا الذي نتعامل معه عند ردات أفعالنا تجاه سلوكيات الآخرين..
مسؤولية الكلمة تجنبنا الكثير من مغبات إطلاق الأحكام جزافا على مواقف الناس وقراءة تصرفاتهم..
وكما أن الكلمة مسؤولية فالصمت عن قولها حين لا تستدعي الحاجة النطق بها مسؤولية أجل وأعظم..