كشفت دراسات وعمليات تنقيب حديثة ضمن المشروع المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، للتنقيب عن الآثار في ميناء مدينة السرين الأثرية، الواقعة على السواحل الغربية للمملكة جنوب مكة المكرمة، عن مدى حجم وعمق العلاقات التاريخية بين الحضارتين؛ العربية في الجزيرة العربية والحضارة الصينية، والتي تضرب بعمقها التاريخي لأكثر من 2000 عام.
وأكّد مدير مكتب حماية الآثار الثقافية بإدارة الدولة للتراث الثقافي بالصين، رئيس فريق الآثار المشترك "يان يا لين"، أن التعاون المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية في الجوانب الثقافية المشتركة، خاصة في مشروع التنقيب عن الآثار في ميناء السرين الأثري، كشف للجانبين عن عمق العلاقات التاريخية بين الشعوب العربية والشعب الصيني، القائمة على التبادل والاحترام، كما أسهم في توسيع دائرة المعرفة لدى المختصين من كلا الجانبين، ومدى عمق هذه العلاقات التاريخية، التي أزالت كثيرًا من الغموض عن عصور ومراحل تاريخية مهمه كانت غائبة.
ميناء السرين شكل المحطة البحرية الرئيسية لطريق الحرير البحري التاريخي
وأوضح " يان يا لي" لـــــ" وكالة الأنباء السعودية" أن مدينة السرين وميناءها الأثري، شكلت المحطة البحرية الرئيسية لطريق الحرير البحري التاريخي على سواحل البحر الأحمر، وكانت المحطة الرئيسة للسفن الصينية التي تحمل على متنها البضائع والمنتجات الصينية، ومن أشهرها الحرير والخزف الصيني القادمة إلى أرض الجزيرة العربية، كما مثلت وجهة رئيسية للمسلمين الصينيين، القادمين صوب مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة.
وبين "ياي ين لين" أن الفريق المشترك بين البلدين توصل إلى حقائق علمية، تؤكد أن ميناء السرين الأثري شكل حلقة وصل مهمة، ربطت الحضارتين العربية والصينية لأكثر من 2000 عام، وأن نتائج المشروع الأثري المشترك أزالت الكثير من الغموض لدى المختصين، وسردت لنا فصلًا من فصول الحضارة العربية، وعلاقاتها التاريخية والثقافية والاقتصادية مع الشعب الصيني.
ووصف "ياي ين لين" أن ما تم الكشف عنه من آثار في هذا الميناء وضع المختصين أمام حقائق تاريخية مهمة، للروابط الوطيدة بين الحضارتين العربية والصينية، حيث توصل الفريق المشترك إلى معلومات مادية قيمة في مجال الدراسات التاريخية لطريق الحرير البحري، ومحطاتها الرئيسة والعلاقات الثقافية والتجارية بين العرب والصين.
وأكد "يان ين لين" على الأهمية الكبرى لهذا المشروع الأثري المشترك، ودوره في تعزيز الروابط التاريخية والاقتصادية بين البلدين الصديقين، بما يتوافق مع مخرجات رؤية المملكة 2030م، ومبادرة "الحزام والطريق، واستشراف المستقبل، وتقوية مجالات التعاون والتنمية لبناء مجتمع آمن لمستقبل مشترك زاهر ومستقر".
مرسى وميناء طبيعي بحري
وخلص مدير مكتب حماية الآثار الثقافية بالصين إلى القول "إن أعضاء الفريق المشترك عملوا خلال الفترة الماضية على التنقيب والتحقق من الآثار الغارقة تحت الماء، حيث تمكنوا من العثور على آثار مهمة، تؤكد وجود مرسى وميناء طبيعي بحري يقع جنوب الموقع المسيج.
كما عثر أعضاء الفريق على قطع أثرية من الذهب واللازورد والعقيق، وقطع نقدية لعصور زمنية مختلفة، وقطع من الفخار المحلي والخزف الصيني، وقام الفريق بجمع القطع الأثرية وتنظيفها وتوصيفها، كما عثروا على 48 شاهدًا قبريًا منقوشة بكلمات عربية، يعود تاريخها إلى 1029م، إضافة لحطام سفينة "نانهاي الصينية".
يُشار إلى أن مدينة "السِّرَّين" الأثرية تقع في السهل الفيضي لوادي "حَلية" الشهير، أو ما يعرف حاليًا بوادي (الشاقة الشمالية) عند مصب الوادي في البحر، ويقع في جنوبها مصب وادي "عِلْيَب" أو ما يعرف حاليًا بوادي "الشاقة اليمانية"، وجاءت تسميتها بـ "السِّرَّين" نسبة إلى هذين الواديين، حيث يمثلان "حلية و "عليب" أشهر وأخصب أودية مكة المكرمة، ويطلق سر الوادي على (أطيب موضع فيه)، وأرض "السِّرَّين" أرض خصبة زراعية يكثر بها المرعى وماء آبارها وفيرة.
#تقارير_واس
"واس" تقف على أسرار ميناء "السّرِّين" بمكة المكرمة الذي يعود لما قبل الإسلام .https://t.co/301nDGmgcs#واس pic.twitter.com/aekNNQJLD6— واس الأخبار الملكية (@spagov) November 1, 2017
يذكر أن تاريخ إنشاء ميناء مدينة "السِّرَّين" يعود إلى عصر ما قبل الإسلام، بحسب ما ذكرت كتب التراث العربي، وكانت المدينة من أهم المواقع الحيوية والاقتصادية النشطة خلال الفترة من القرن الثالث الهجري حتى القرن الثامن الهجري، وتقبع المدينة حاليًا جنوب مكة المكرمة بحوالي (245كلم)، مبتعدة عن محافظة جدة (220كلم)، وتتبع إداريًا مركز "الشواق" التابع لمحافظة الليث، الذي يبعد عنها (45كلم) شمالًا، ولا تزال أطلال ميناء مدينة "السِّرَّين" ماثلة للعيان شاهدة للمكانة العظيمة التي وصلت إليها هذه المدينة، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الحضارية أو العسكرية، التي مكنتها من لعب أدوار مهمة وأساسية في الأحداث التي شهدتها المنطقة.