رحب السينمائيون بإعلان مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي خطوة ترميم الأفلام، فيما اختلف البعض حول نوعية الأفلام ومعايير الاختيار، وتساءل البعض عن غياب المشهد المحلي واقتصاره على دولة مصر فقط، فيما أكد البعض أهمية هذه الخطوة، وعدوها حفظًا لأرشيف وتاريخ السينما العربية.
غياب محلي
تحدث الناقد عدنان المناوس قائلًا: بالعودة إلى القيمة الفنية والثقافية الحقيقية للأفلام باعتبارها ليست مجرد أداة للترفيه، بل هي في أعمق تمظهراتها سبر للأغوار الاجتماعية والثقافية للحضارات الإنسانية، سيكون مشروع ترميم الأفلام الكلاسيكية مشروعًا رائدًا لحفظ الإرث السينمائي العالمي من جهة، وللتعرف على السياق السينمائي التاريخي وتطوره عند مختلف الشعوب من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق أنشأ المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي مؤسسة «سينما العالم» عام 2007، وحملت على عاتقها البحث عن الأفلام الكلاسيكية لمختلف شعوب العالم وترميمها حفظًا للإرث السينمائي العالمي منذ النشأة الأولى لها، هذه خطوة ملهمة من الجميل أن تستنسخ عند مختلف الأوساط السينمائية العالمية والعربية بشكل خاص.
ونرى بعضًا من ملامح هذه الخطوة في مهرجان القاهرة لهذا العام، إذ تم الإعلان عن ترميم فيلمين من السينما المصرية وهما فيلم «يوميات نائب في الأرياف» للمخرج توفيق صالح، الذي أخرجه عام 1969، وفيلم «أغنية على الممر» للمخرج علي عبدالخالق، الذي عرض عام 1972.
وأضاف: في السياق نفسه، أعلنت إدارة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي هذه السنة ترميم فيلمين من السينما المصرية كذلك، وهما فيلم «خلي بالك من زوزو» الذي أنتج عام 1972 و«غرام في الكرنك» الذي أنتج عام 1967، وهذه بادرة نثمّن اتخاذها كثيرا من قبل إدارة المهرجان.
ما سر غياب المشهد المحلي السينمائي من عملية الترميم؟
ويجدر بنا التساؤل عن غياب المشهد المحلي السينمائي من عملية الترميم، نعلم جميعًا المكانة الرائدة التي تحتلها السينما المصرية في الأوساط العالمية والعربية، إلا أنه من الجميل في هذه الموجة الصاعدة للسينما السعودية، أن يفتح الأرشيف السينمائي المحلي لإعادة اكتشاف الأعمال التي أنتجت في الفترة ما بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي وإن كانت قليلة ربما فإنه من الجميل الالتفات إليها، وإعادة ترميمها حفظًا للإرث السينمائي المحلي، ولتعريف العالم به من جهة، وإحياء ذكرى روادها من جهة أخرى.
وتابع: أذكر من الأعمال على سبيل المثال لا الحصر: فيلم «الذباب» الذي أنتج عام 1950، وفيلم «تأنيب الضمير» الذي أخرجه المخرج السعودي سعد الفريح عام 1966، وغيرها من الأفلام الروائية والوثائقية التي أنتجت خلال الفترة التاريخية هذه، وأتمنى حقيقة من المهرجان الالتفات إلى هذا الأرشيف المحلي، وإعادة اكتشافه وترميمه لما له من أهمية في السياق التاريخي الفني المحلي ثقافيًا وحضاريًا، بما أنه أخذ مشكورًا زمام المبادرة بالمشاركة في عملية ترميم الأفلام السينمائية العربية المهمة.
ضرورة التنوع
قال الكاتب السينمائي والروائي أمين صالح: السينما المصرية عريقة، وتمتلك صناعة سينمائية متقدمة، قياسًا ببقية الدول العربية التي تفتقر إلى صناعة سينمائية حقيقية، وطوال تاريخها، منذ عشرينيات القرن الماضي، أنتجت السينما المصرية العديد من الأفلام الراقية البديعة.
ولذلك فالسينما المصرية جديرة بأي تكريم أو حفاوة، لكني لا أرى من الحكمة التركيز فقط على السينما المصرية، من حيث الاهتمام والحفاوة، وعدم الالتفات إلى السينمات العربية الأخرى، كالمغربية والتونسية والسورية وغيرها، وقد يرجع البعض هذا إلى حداثة مهرجان البحر الأحمر وقلة التجربة.
وتابع: وفيما يتصل بترميم أو تجديد الأفلام، فهي مهمة رائعة وضرورية، وتستحق التشجيع والدعم، لأنها تصون الأفلام القديمة من الزوال والنسيان، وتحافظ على بقائها واستمرارها، وأنا أستغرب أن يحظى فيلمان عاديان، مثل خلي بالك من زوزو، وغرام في الكرنك، بهذه المبادرة، في حين توجد أفلام مصرية قديمة، هي أرقى وأروع، بحاجة إلى مثل هذا الترميم، وهي بالفعل تستحق ذلك.
ترميم رائعة يوسف شاهين: مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي ترمم فيلم "الإختيار" ليوسف شاهين وتعرضه لأول مرة على الشاشة الكبيرة ضمن عروض المهرجان. https://t.co/dQ4SpCa4Rc pic.twitter.com/HrqCsZml24
— RedSeaFilm (@RedSeaFilm) February 26, 2020
حفظ الإرث
المخرج علي الشويفعي، قال: طبعا تاريخ السينما بشكل عام مر بخطر وضياع، ومنها بدأ الكثير يلتفتون إلى أهمية إنقاذ هذا الإرث من الأفلام القديمة، وتحويلها إلى نسخ رقمية عالية الجودة، ومبادرة ترميم الأفلام من قبل المهرجان مبادرة جميلة، تسعى إلى حفظ أرشيف تاريخ السينما لأهميته الكبيرة، وبالنسبة لاختيارهم الدورتين لترميم أفلام من السينما المصرية، طبعًا لا شك في أن هناك عددًا من الأفلام السعودية والخليجية يمكن أن تُرمم، وشركة روتانا السعودية منذ عدة سنوات اشترت ورممت عددًا كبيرًا من الأفلام المصرية القديمة.
سينما المستقبل
تحدث المخرج السينمائي رمضان عيسى قائلا: ترميم الأفلام فكرة مهمة لصناعة الأفلام، وصناعة الأفلام لا بد ألا تقتصر على سينما أو بلد محدد وحيد، لكن لأن صناعة الأفلام في مصر متقدمة بـ100 سنة عن السينما في البلدان الأخرى، فلذلك قد يتوافر فيها هذا المحتوى من الأفلام الذي يصلح للترميم، بينما في منطقتنا الخليجية خصوصًا، فأنا أؤيد دعم المشاريع السينمائية الجديدة بدلًا من عملية الترميم؛ لأنها أهم لصناعة سينما المستقبل.
معايير عالمية
قال المخرج يعرب بورحمة: الأفلام المصرية القديمة قبل سنة 1975 بداية من 1900 كانت المنارة الثقافية الوحيدة في المنطقة، التي تنتج بناءً على معايير عالمية وثقافة استقبلتها أجيال في الوطن العربي، وذلك يجعلها الأجدر عربيًّا للترميم من وجهة نظري، وكانت لفترة قريبة تسمى «أفلام عربية» وليست مصرية؛ لأنها هي الأجدر والأقدم والأعرق في الوطن العربي من ناحية الصناعة والتأثير، ومن المؤكد أنه سيأتي دور باقي الأفلام بعد ذلك إن شاء الله، فالمسؤولون في المهرجان متخصصون، وخبرتهم تؤهلهم لاختيار القرارات السديدة.
علامة ثقافية
وقال السيناريست محمد المحيطيب: أعتقد أن مصر هي المنتج الأكبر للسينما في الوطن العربي، وأفلامها واكبت حقبًا ثقافية واجتماعية ملحوظة، وكان لها تأثير في الوطن العربي بحكم انتشار أفلامها، وتشكّل الثقافة السينمائية العربية من خلال أفلامها في وعي المشاهد العربي، حتى بات الإرث بصريًا مشتركًا لجميع أقطاب الوطن العربي،.
أما بقية الدول فلم تشهد إنتاج الأفلام إلا بعد سنة 2000 تقريبًا، إذ أصبحت أغلب الكاميرات ديجيتال، وذات جودة مقبولة ومعاصرة، ويستثنى من ذلك بعض التجارب النادرة مثل فيلم «بس يا بحر» وفيلم «الرسالة»، وأعتقد أنه أعيد ترميمه، وفيلم «لورانس العرب»، فالترميم مجهد ومكلف حسبما قرأت، والأولى أن يُصرف على إرث له قيمة فنية واجتماعية كبيرة للمشاهد.