أعان الله من يجالس (الشكائين) وربط على قلوبهم.
فالشكّاء كثير التشكي، دائم التسخط، لا يعجبه شيء في الحياة ولا في أحداثها.
لا يرى في الورد إلا الشوك، ولا يجد في العسل إلا لذعته في الحلق.. يغمض بصره عن بياض الحياة واخضرار الدنيا، ولا يسقط نظره إلا على ألوانها الباهتة، ولا تلتقط عيناه غير النواقص.
الجلوس مع كثير الشكوى مرض، والحوار معه موت.
يشتكي من كل وجع، وينطق بكل ابتلاء. حتى لو أصبح صحيحًا سليمًا تخاله يقول لك: كأني بأصدع!! أحس بسخونة!! فيه شيء سيحصل بس لا أدري!!
ظاهرة الشكوى للناس مزعجة، ليس على صاحبها فقط، بل على المستمع؛ بسبب التعاطف مع الشاكي.. خاصة أن من (الشكائين) من تصبح له الشكوى سمة وطبعا وقد تتوسع قائمة الشكاوى لتشمل الأحوال الجوية، والصراعات السياسية والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
الشكوى تكون محمودة إذا بثها الشاكي لمن بيده حل المشكلة أو ممن يتوقع منهم إبداء الرأي والمشورة أو من يستطيع تقديم المساعدة.. الحسنة الوحيدة في الشكوى أن صاحبها ربما يجد فيها وسيلة للتنفيس، فلو كتم شكواه لازداد ضغطه وتفاقم توتره.
شَكَوْتُ وما الشَّكْوى لِمِثليَ عادةٌ
ولكِنْ الكؤوس تَفيضُ عِنْدَ امْتِلائِها
أو على قول القائل:
ولابد من الشكوى لذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
لكن الإكثار منها واتخاذها طبيعة خطأ فادح وسلوك لا يغتفر، وهو ما يوجع الناس ويصدع رؤوسهم ويجلب عليهم الحزن، وهم في النهاية لا يمكون ناقة ولا جملًا في المشكلة.
قرأت في سيرة التابعي الجليل شريح القاضي أن أحدهم قال: سمعني شريح وأنا أشتكي بعض ما غمني لصديق، فأخذني من يدي وانتحى بي جانبًا، وقال: يا ابن أخي إياك والشكوى لغير الله تعالى فإن من تشكو إليه لا يخلو أن يكون صديقًا أو عدوًا؛ فأما الصديق فتحزنه وأما العدو فيشمت بك.
ثم قال: انظر إلى عيني هذه - وأشار إلى إحدى عينيه-، فو الله ما أبصرت بها شخصًا ولا طريقًا منذ خمس عشرة سنة، ولكني ما أخبرت أحدًا بذلك إلا أنت في هذه الساعة.. أما سمعت قول العبد الصالح: «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله»، فاجعل الله عز وجل مشكاك ومحزنك عند كل نائبة تنوبك فإنه أكرم مسؤول وأقرب مدعو.
* قفلة
قال أبو البندري غفر الله له:
إذا علمت أن الصعاب والمشكلات لم ولن تنتهي، وأن الله خلقنا في كبد، وأن طريق الحياة ليس معبدًا بالورود.. فتجلد للحياة بالصبر، وتزمل بالتوكل، وتسربل بثياب الرضا لتسعد وتوفق.