العطاء تتعدد صوره وأشكاله، ولكنه يشترك في سمة واحدة، ألا وهي الشعور بالراحة، وشيء من السلام الداخلي، خاصة حين يكون بدون انتظار للمقابل المادي. وقد يختلف الدافع أيضًا، ولكن يظل العطاء له طعمه الخاص.
والمتأمل إلى أولئك المتطوعين في شتى المجالات سيجد أن الغالب عليهم علامات الرضا والسعادة فيما يقدمون. وتلمس ذلك في قَسَمات محياهم وكلماتهم المعبرة والملهمة، فهم يستمتعون بما يقومون به من أعمال جليلة في خدمة دينهم ووطنهم ومجتمعهم.
يوافق يوم الخامس من شهر ديسمبر من كل عام (اليوم الدولي للمتطوعين)، وكانت انطلاقته منذ عام (1985م).
وموضوع احتفالية هذه السنة (2022م) هو: «التضامن بالعمل التطوعي»، وبحسب هيئة الأمم فإن عدد المتطوعين حول العالم يبلغ (862.4) مليون شخص. وقد نوَّهت عنه بقولها: «اليوم الدولي للمتطوعين فرصة للمتطوعين الأفراد والمجتمعات والمنظمات لتعزيز مساهماتهم في التنمية على المستويات المحلية والوطنية والدولية».
وفي نفس السياق، فإن من أهداف الرؤية (2030) الوصول إلى مليون متطوع في كافة المجالات والقطاعات. ومفهوم العمل التطوعي هو مفهوم وطني وحضاري، حيث يبرز الدور الفعَّال والإيجابي للفرد في المجتمع.
وأشكال العطاء والتطوع متعددة، فقد تكون بالمال أو الوقت أو الجهد أو القلم أو الفكر أو غيرها من الوسائل المختلفة والمتنوعة. ويشمل ذلك المؤسسات والشركات في القطاع الخاص التي لابد لها أيضًا من مشاركة فعَّالة ومستمرة في المجال التطوعي والخيري.
ومن المؤكد أن العمل التطوعي عمل جماعي وتكاملي، حيث إن عمل الفرد حين يكون ضمن مجموعة يصبح أكثر نفعًا وتأثيرًا خصوصًا إذا كان تحت مظلات الجمعيات والمنظمات الرسمية والموثقة، والتي نتأكد من خلالها أن نتائج هذه الأعمال التطوعية تصل إلى الشريحة المحتاجة من المجتمع، وأن يُستفاد منها في مجالات مختلفة، وفي قطاعات شتى. ومن المهم أن يكون ذلك كله في إطار خطط طويلة الأجل ومستدامة.
تجدر الإشارة إلى أن العمل التطوعي ينعكس إيجابيًّا على المتطوع نفسه، حيث تنمو لديه المهارات الشخصية والعلاقات مع الآخرين، ومنها تعلّم مهارات القيادة، وزيادة الخبرة والتجارب، والتعرف على أشخاص محفزين ومشجعين في نفس المجال. وبالإضافة إلى التمرس في فن التعامل مع الناس بمختلف شخصياتهم وأنماطهم. وهو أيضًا يساعد على الخروج من دائرة الحزن والمشاعر السلبية حين ينشغل الإنسان بالعمل والعطاء من أجل الآخرين متناسين همومه وأحزانه الشخصية.
والعمل التطوعي هو عمل إنساني في أصله، وقد تكون هناك بواعث ودوافع أخرى، دينية أو نفسية أو وطنية ومجتمعية تدعم هذا العمل الجليل الذي يصب في مصلحة المجتمع والوطن. ناهيك عن أن هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي تدل على فضل العطاء في صور متعددة ومتنوعة، ويكفي في فضل العمل الخيري والتطوعي قوله عليه الصلاة والسلام: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ».
العمل التطوعي المنظم والمستدام هو خير العطاء.
abdullaghannam@