رحم الله قريبي أبا مهدي رحمة واسعة، أتذكره أحيانا، وأتذكر بعض مواقفه وتجاربه في الحياة عندما أرى مواقف أو أحداثا مشابهة، في هذه المرة تذكرت قدومه زائراً لأسرتي قادما من الريف وبصحبته ابنه الأوسط الأبكم. ذات يوم وبعد أن حصل على قسط من الراحة من بعد رحلة شاقة بدأها من أقصى جنوب المملكة مروراً بالمنطقة الوسطى التي لم يتمكن من قضاء بعض الوقت فيها، بسبب أن علاج ابنه كما يعتقد موصوف له بأحد مستشفيات المنطقة الشرقية، ولأنه لا يعرف أحدا من الأقارب والمعارف في المنطقة الوسطى. أظهر الرجل منذ قدومه اهتماما بمراجعة الطبيب أملاً في الحصول على العلاج المناسب في أقصر مدة زمنية ممكنة لأن الرجل كان يردد:
- صحة ولدي مهمة عندي، لكن أشغالي مهملة
وهو يقصد أن ليس هناك من ينوب عنه في متابعة أعماله التي غالباً كما فهمت في وقت متأخر أنها أعمال زراعية. المفيد أن الأيام لم تساعد أبا مهدي في العودة إلى مزرعته ومتابعة أعماله بنفسه، واستغرق علاج حمد الأصنج هكذا كان يسمى، بعض الوقت. وبعد أيام قرر أبو مهدي اصطحاب حمد إلى الحلاق لترتيب شعره الغزير الأسود الذي بدا أطول من اللازم بعض الشيء، المهم الحلاق كانت تتطلب زيارته رحلة خاصة للحلاقة حيث إن عدد الحلاقين في المدينة محدود ومعظمهم من الجنسية الهندية والباكستانية وبينهم عدد قليل من الحلاقين اليمنيين، وكان من نصيب أبو مهدي أن اهتدى إلى حلاق هندي كان دكانه في أول الشارع العام أو شارع السوق كما يقولون، أدرك الحلاق بفراسته أن حمد هو الشخص المقصود بأن تتم له الحلاقة لأنه يعرف من ثقافة المجتمع أن حلاقة الذقن غير واردة بين الناس وخاصة أبناء الأرياف. صعد حمد على الكرسي الوحيد في دكان الحلاقة وسأله الحلاق هل تريد «تواليت» هنا سارع الوالد وقال له نعم، وأشار له بيده تأكيداً لموافقته على ما سأله عنه الحلاق، وكان أبو مهدي يعتقد أن الحلاق يقول له هل أجز له هذا الشعر الزائد غير المنتظم، جلس أبو مهدي على الكرسي المتاح لانتظار الزبائن وهو يرى وجه حمد في المرآة التي أمامه ويرى الجزء الخلفي لابنه كونه الجزء المواجه له. استخدم الحلاق الهندي النحيل الجسم مكينة قص الشعر الكهربائية التي تتميز في ذلك الوقت بسرعتها، وجاء على معظم الشعر الزائد والبارز على شكل أحراش زراعية. ولكنه ترك معظم الجزء الأمامي من شعر حمد حيث يبدو لمن يراه بشكل واضح أنه شذب فقط ولم يطله الحلاق بالمكينة ولا بالمقص، انتهى الحلاق من قص شعر حمد المسكين وبدأ يضع له بعض البودرة المعطرة خاصة على المنطقة الخلفية من رأسه وأشار لحمد بالنزول من الكرسي، معلناً بأن الحلاقة انتهت. هنا وكما وصف ذلك أبو مهدي لنا لاحقاً بأن حمد عبر عن رفضه لتلك القصة، بأن بدأ يتحدث مع والده بكلام غير مفهوم وبعض الإشارات وبعدها انخرط الطفل المسكين في نوبة بكاء اعتراضاً على شكل الحلاقة التي اعتقد أنها غير لائقة. أبو مهدي شرح للحلاق بالإشارة بضرورة إزالة الشعر الذي في مقدمة وجه الطفل أو ما يعرف بالقذلة ويقول:
- هذا ولد رحمك الله، هذا ولد رحمك الله
ماذا تتوقعون ماذا سيقول أبو مهدي لو أنه رأى قصات الشعر الغريبة لشباب اليوم!