بعد إتقاني القراءة باللغة العربية، أصبح التحدي الجديد أن أكون سريعة في القراءة. ثم انتقلتُ لمحاولة إتقان لغات أخرى، مثل الإنجليزية والهندية والفرنسية. أتقنت اللغة الإنجليزية، وبعض الهندية والفرنسية.
ذهبت في إحدى المرات لأحد البنوك لفتح حساب جارٍ واستقبلتني الموظفة بحفاوة. أعطتني بضع أوراق لتعبئة بعض البيانات، ووضعت لي إشارة عند كل فراغ يحتاج الملء. كتبتُ اسمي ورقم هاتفي وإيميلي، ووقَّعت في الأماكن التي أشارت إليها بدون أن أقرأ ما في الأوراق من تفاصيل مفترضةً أنها الإجراءات الروتينية لفتح حساب جارٍ. أخبرتني بأنه تم فتح الحساب، أعطتني البطاقة البنكية الخاصة بي، شكرتها وغادرت.
بعد أيام، وصلني بريد مسجل من البنك. استلمته، وعندما فتحت الظرف وإذا بداخله بطاقة ائتمانية (فيزا)، مع أنني لم أطلب أي بطائق ائتمانية، ولم أكن أحب اقتناءها.
راجعت البنك لأستفسر عن سبب إرسال البطاقة لي، على الرغم من عدم طلبي لها، فأرتني الموظفة ورقة طلب بطاقة ائتمانية وعليها اسمي وتوقيعي!
قصة أخرى حدثت لي أيضًا عندما تواصلت مع مكتب موارد بشرية لأستقدم عاملة منزلية. بعد انتهائي من إجراءات استخراج الفيزا واختيار بلد الاستقدام عن طريق موقع مساند، وضعت شروطي وتفضيلاتي، والتي منها أن تكون متعلمة ولديها خبرة، وأرسلت لأحد مكاتب الاستقدام المعروفة أطلب سِيَرًا ذاتية. وصلتني السِّيَر، اخترت منها عاملة، أرسلوا لي العقد، وبدون أن أقرأه، مفترضةً أن ما وضعته من شروط في موقع مساند موجود في العقد (ما يضيع حقك مع مساند).
ولأنني كنتُ في عجلة من أمري، دفعت المبلغ المطلوب وانتظرت وصول العاملة. كان المكتب سريعًا جدًّا في إنهاء الإجراءات. وصلت العاملة وكانت في منتهى السوء، لا خبرة لها، ومن الصعب تعليمها؛ لأنها لم تكن تعرف القراءة ولا الكتابة حتى بِلُغتها الأم. وعندما تواصلت مع المكتب لتغيير العاملة؛ بسبب عدم الإيفاء بالشروط المطلوبة، رفضوا استلامها، وببساطة وبثقة شديدة أخبروني أن أقرأ العقد! وعندما رجعت للعقد اكتشفت أن كل الشروط التي وضعتها ليست ملزمة للمكتب!
لقد ذكرتُ في مقالي السابق قصة الشاب، بائع الطيور الذي لا يعرف القراءة، وتعجبي من وجود شاب أميّ في تلك السن الصغيرة، والتي أعادتني بالزمن لما قبل تعلمي القراءة، وفضولي وشغفي الشديد للتعلم الذي أوصلني لما أنا عليه الآن من تمرُّس في القراءة والكتابة بلغتَين.
القصتان اللتان حدثتا لي ما هما إلا مثالَين بسيطَين، وشاهدي في ذِكر تلك القصص أنه إذا كنتُ أنا المتقنة للغتين قد تعرضت في حياتي لمواقف عديدة، وعشتُ تجارب كثيرة من الاحتيال، وبطرق مختلفة ومبتكرة، فلا يسعني إلا أن أتساءل بدهشة: كيف يعيش الشاب بائع الطيور...؟؟