التكيُّف هو كل المحاولات التي يقوم الإنسان من خلالها بتعديل سلوكه حتى يستطيع أن يتعامل مع متغيرات العالم الخارجي، ويتقبل الجماعة التي يعيش معها، والظروف التي يمر بها لإيجاد حالة من التوازن بينه وبين العالم الخارجي، فيشعر بالرضا، ويتقبل ذاته ويُشبع حاجاته ويحقق الانسجام، ويتقبّل الآخرين في سبيل إيجاد حالة من التوازن والتفاؤل والميل إلى المرح والاستمتاع بحياة خالية من الصراعات والتوترات والاضطرابات النفسية.
وباستقراء ما كتبه علماء النفس والتنمية البشرية حول التكيّف باعتباره من أهم المفاهيم التي تدرس العلاقة بين الفرد ومتطلباته والمجتمع الذي يعيش فيه، نرى أن الشخص أثناء عملية التكيّف لا بد له أن يستجيب إلى نوعَين من المتطلبات: متطلبات خارجية، وأخرى داخلية، فالمتطلبات الخارجية تشير إلى ما تطلبه البيئة الخارجية والأشخاص الذين يعيشون معها، أما المتطلبات الداخلية فهي الحاجات الجسمانية والنفسية، بالإضافة إلى الحاجات الاجتماعية، مثل الحاجة إلى رفقة الآخرين، والقبول الاجتماعي والإحساس بتقدير الذات والحاجة إلى الحب.
وجوهر التكيّف يكمن في كيفية التعامل مع الظروف المختلفة، والاستجابة لمستجدات الحياة، وما تحفل به من متغيّرات اجتماعية وطبيعية تجعله قادرًا على اكتساب الخبرات الاجتماعية التي تساعده في بناء شخصيته واعتماده على سلوكيات مناسبة من خلال التفاعل الاجتماعي مع مجتمعه.
وإذا نظرنا إلى التكيّف في معناه التطبيقي نجد أنه تفاعل بين الإنسان والظروف التي يعيش فيها، وما يمتلكه من إمكانيات، وما يستشعره من حاجات مادية ونفسية يتعلم الفرد من خلالها الأساليب والأدوار التي تجعله قادرًا على المواءمة مع المجتمع، ومسايرة الحياة بشكل يسمح له بأن يندمج فيها بشكل أفضل، وهنا يكون الفرد قادرًا على التكيّف، فيتغلب على كافة المؤثرات السلبية في البيئة التي يعيش فيها، وهنا يكون قادرًا على تلبية متطلبات المجتمع الذي يعيش فيه.
وبمفهوم المخالفة نستطيع أن نقول إن الشخص المضطرب أو سيئ التكيف هو الشخص الذي لم يستطع أن يواجه المشاكل والصعوبات التي يتعرض لها، ولم يحاول أن يجد الحلول الملائمة، التي من خلالها يخرج من النفق المظلم الذي دخله؛ ليبصر الحياة بشكل أفضل، ويفكر بمنهج مختلف في جميع المجالات الحياتية؛ مما يجعله يعيش في صراع نفسي وقلق، ويصاب بضيق الصدر والكآبة، ويبني أسلاكًا شائكة لا يستطيع العبور من خلالها.
وإذا دققنا النظر في الشخص المتكيّف نجده شخصًا ناجحًا له سمات مميزة تجعله يقبل التغيير الذي يطرأ على حياته بصدر رحب، وبلا تذمّر، فهو لا يضيق بالمِحَن، بل يعمل على حلها ويزرع الورود مع كل تحديات تواجهه أو أحزان تنغّص عليه حياته، ويتجنب تكرار الخطأ، ويستفيد من الإخفاقات، ويحذر من العثرات، ودائمًا ما نجده متفائلًا لا يعرف اليأس والإحباط، ويستفيد من خبرات الآخرين وتجاربهم بالاطلاع والمجالسة، فيتجنب في المستقبل أي ضغوط نفسية تؤثر تأثيرات سلبية على مستقبله.
وخلاصة القول: نستطيع أن نقول إن كل ما يُحيط بنا في تغيّر دائم، ولا نستطيع أن نعبر أزمات الحياة التي نعيشها إلا إذا كنّا متكيفين، نُقبل على الحياة بلا توقعات حالمة، ونعلم تمامًا بأن الحياة لن تكون كلها وردية، فلن تخلو أيامنا من مشاكل أو خيبات أمل على الطريق، فإذا لم نستطع أن نتكيّف ونحاول أن نحل العقبات بالتعديل والتغيير حتى نحدث التوازن المطلوب، فلن ننجح في الحياة، وسوف نعاني معاناة كبيرة تمنعنا من الاستمتاع بها.
Ahmedkuwaiti@