- لماذا أنادي بأن تكون المياه الجوفية خطًّا أحمر؟ في جزء من الجواب.. لأنها مصدر لأكثر من (93) بالمائة من احتياجاتنا من المياه، ولجميع القطاعات الزراعية والسكنية والصناعية. القطاع الزراعي يستأثر بالنسبة الأعظم بأكثر من (85) بالمائة. إذا كانت هذه الأرقام لا تحرّك فينا شيئًا، فهذا يعني أننا لا نستشعر الخطورة. إلى متى والشأن الزراعي يطغى على شأن المياه الجوفية؟ نحن أمام زيادة سكانية مستمرة. أمام مسؤولية تلبية احتياجاتها من الماء والغذاء. ومن المعيب استمرار الاجتهادات والتوسعات الزراعية العشوائية المضرة. تستنزف المياه الجوفية المحدودة وبشكل جائر. هبطت مناسيبها بشكل حاد. نضبت في بعض المواقع. لماذا لا تخضع الزراعة لدراسات الجدوى الاقتصادية؟ إنها المعيار العلمي الأهم للحفاظ على المياه واستدامتها؟ لماذا لا تخضع هذه الزراعة لمبدأ الميزة النسبية؟ وبعد.. أليست هذه المعلومات كافية لردع التجاوزات. ومنع اقتحام المستثمرين في القطاع الزراعي في ظل ندرة الماء وموارده الطبيعية؟
- القلق والتساؤلات عن مصير المياه الجوفية مصدر إلهام مستدام لم نوفق في استيعابها وتوظيفها. ورغم وجودها وجرأة طرحها إلا أن التوسعات العشوائية لم تتوقف لصالح الزراعة الرشيدة، زراعة العائلة الزراعية السعودية التي تمتهن الزراعة كمهنة. تسببنا في تآكل دورها وخسرنا حضورها. هل يوضح هذا مدى عجزنا الإداري لدعم وتحقيق نجاح الأسرة الزراعية السعودية وتفعيل دورها واستدامتها؟ هل نغطي العجز الإداري والفني بنقل المسؤولية لساحة المستثمرين والسماح لهم بمزاولة النشاط الزراعي على حساب الأسرة الزراعية السعودية، وأيضًا على حساب المياه الجوفية المحدودة كمًّا وكيفًا؟
- تفاقم خطر التوسعات الزراعية العشوائية لم يتوقف، من أهمها زراعة الأعلاف، وزرعة أشجار النخل، حيث وصل عددها أكثر من (30) مليون نخلة، أكثر من نصف إنتاجها يذهب هدرًا وضياعًا. لماذا لا نأخذ العبرة من فشلنا في استمرار زراعة القمح. الفشل يعود إلى غياب جدواه الاقتصادية بجانب غياب الميزة النسبية لزراعته، فأصبحنا نستورده لتوفير كسرة الخبز. بالمقابل ماذا عن وضع الأشجار الزراعية المثمرة؟ إنها زراعة غير ضرورية ويمكن العيش بدونها ومنها التمر. هل زراعتها خاضعة لدراسة الجدوى الاقتصادية في ظل ندرة المياه؟ هل القمح أهم أم هذه الفواكه؟ أليس هذا محل تناقض يثير التساؤلات؟ يجب ألّا تكون هناك أخطاء إستراتيجية تعصف بمستقبل الأمن المائي ومستقبل الأمن الغذائي.
- لم يتوقف الأمر على تأسيس الشركات والمؤسسات الزراعية، وعلى مزارع رجال الأعمال وكبار الموظفين، والتي هي أقرب إلى المزارع الترفيهية، بل جاء مؤخرًا تشجيع تأسيس جمعيات تعاونية زراعية، وكأن مهمتها مواصلة ذلك الدور الزراعي التوسعي العشوائي على حساب المياه الجوفية. أليس هذا التفافًا وتحايلًا لاستبدال الشركات الزراعية والمؤسسات بنشاط الجمعيات التعاونية الزراعية؟ أليس مرد هذا التوجه هو استغلال أموال الدولة وتسهيلاتها على حساب المخزون الإستراتيجي من المياه الجوفية؟ إنه وضع أشبه باستغلال أسعار الضمان التي كانت سائدة مع زراعة القمح والشعير. الأمر لم يتغير... تناقض يثير التساؤلات وحيرتها. الأمر أشبه بحرق للمال وإهدار للمياه. نمارس الشيء ونقيضه. ننادي بترشيد استخدام المياه، لكننا في نفس الوقت نشجع على زراعة الأشجار المثمرة، منها زراعة أشجار الزيتون والفواكه إلى أن وصلنا إلى تشجيع زراعة أشجار البُن.
- هناك فجوة هائلة بين الواقع وفرض الطموحات الحالمة عن طريق اللعب بسن الأنظمة التي تعظم الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، ببرامج زراعية لا تُرى إلا بعين واحدة. الأمثلة كثيرة. وتأتي المبررات بمغالطات علمية تتجاهل ندرة المياه، وتنمُّ عن تفكير متضارب. أفهم -وأتفهَّم- أن تكون هناك جمعيات تعاونية للمزارعين الذين يمارسون الزراعة كمهنة، وذلك لخدمتهم وتمكينهم. لكن أن تكون هناك جمعيات تعاونية زراعية لرجال الأعمال والموظفين ولنشاط غير موجود، ولأفراد لهم مداخيل أخرى تجمعوا للاستثمار في مياهنا الجوفية، فذلك يعني استثمارًا مضرًّا ومتناقضًا مع رفع شعارات الحفاظ على المياه واستدامتها. المياه الجوفية مورد إستراتيجي للحاضر والمستقبل.
@DrAlghamdiMH