تحتوي حياتنا على تفاصيل كثيرة تتطلب مهامّ مختلفة، ولأننا لسنا على كل شيء قادرين، فنوكل بعضًا منها لمَن هم قادرون على إتمامها، ومن هنا أتت العلوم والتخصصات، وأصبح لكل علم أهله الذين يؤدون مهامه لنا. باختصار وبعيدًا عن مقدمتي الساذجة ككويتب مستعرض أمام قُرّائه، أقول: ليس بالضرورة أن نكون «شمسًا شارقة» أي أننا نفهم كل شيء، ونستطيع عمل كل شيء.
كل هذا يقودونا إلى الاتصال بالآخرين، والتواصل معهم، وعلى طاري الاتصال، فقد عرّفه أهل اللغة بأنه تفاعل طرفين أو أكثر معًا في حدثٍ أو موضوعٍ معيّن؛ بهدف تبادل المعلومات؛ للوصول إلى تحقيق التأثير المطلوب لدى طرفٍ واحدٍ من الأطراف أو كليهما معًا، كما أنه عملية هادفة تعمل على نقل المعلومات من إنسان إلى آخر أو العكس؛ بهدف إيجاد نوع من التفاهم والانسجام المتبادل بينهما. وبما أننا اتفقنا على أن الاتصال علم متخصص، وله أهله ورجالاته، فأصبح من الضروري إتقانه في حال الرغبة في الاتصال، فمثلًا في كثير من المداخلات والندوات نسمع تعليق «بصراحة المتحدثين اللي قبلي كفوا ووفوا وما عندي شيء أضيفه»، في الندوات الإعلامية لمدربي كرة القدم قبل المباراة، تجد مدربًا يكيل المديح للخصم، وأنه فريق قوي، وقد حقق وحقق، ومن الصعب اللعب أمامه، أو مَن يؤيد كلام فلان، وكل ما قال دون أن يقدم إضافته.
هذه نماذج لبعض المداخلات والتصريحات التي يملؤها البؤس، كيف تستغل مساحة من الحديث والمداخلة تم إفرادها لك لكي تكيل المدح للآخرين أو تقلل من نفسك إن لم يكن لديك ما تضيفه وتخرج أنت من هذه المساحة صفرًا، هنا أدرك معنى السكوت من الذهب.
على مستوى الشركات بدأ الكثير منها يفصلون إدارات العلاقات العامة عن الاتصال المؤسسي، وعن الإعلام، فأصبح لكلٍّ مهمة وهذا هو الصحيح، حين تتواصل مع غيرك تحتاج مختصين في الاتصال، البعض يظن أن أعلى موقع في الشركة هو أفضل مَن يتحدث، وهذا خطأ جسيم، أعلى موقع هو مسؤول عن إدارة الشركة، وليس عن الحديث عنها، أو التعليق على أدائها، فكثيرون يديرون باقتدار، ويفشلون في التعبير، وهذا ليس عيبًا، العيب أن تعتقد أنك «شمس شارقة»، فتقوم بكل شيء بنفسك، كم من مسؤولين ظهروا في مقابلات، وتم إحراجهم بأسئلة لم يستطيعوا الإجابة عنها، فعرّتهم بل وكلفتهم مناصبهم أحيانًا، كم أحترم مَن يخصّص متحدثًا رسميًّا معنيًّا بالحديث عن شؤون تلك الجهة، فهو غالبًا يعرف الكتف، ومن أين يؤكل سؤالًا وجوابًا وعراكًا.
كثيرون يمرون بأزمة علاقة مع الغير؛ بسبب توتر علاقة الاتصال وضعفها أو حتى انعدامها، فرق كبير بين أن تجيب عن أسئلة كما يكون في مقابلات الأطباء مثلًا، وبين أن «تتحدث وتعلق» في حوار، فالحوار جزء من الاتصال، له فنه وأهله؛ مما يجعلك تتمكن من الإجابة الصحيحة والإفلات من مأزق أو الكشف عن فخ دُبِّر لك بليل، بالذات وإن كنتَ أمام مُحاوِر متمكِّن وداهية مثلي.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل، أودّعكم قائلًا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبدًا)، في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi