قال الله تعالى في سورة الضحى: "فأما اليتيم فلا تقهر" (9)
في اللغة يطلق وصف (اليتيم) على من فقد والده وهو صغير لم يبلغ الحلم، ويطلق وصف (العجي) على من فقد أمه، وقد اعتاد الناس على إطلاق اليتيم على من فقد أحد أبويه أو كليهما.
لكن اليتم ليست كلمة نأخذ تعريفها من المعجم اللغوي، وإنما نجدها في عيون الفاقدين لعزيز لهم، في العبرة تخنق أحاديثهم، في انخفاض نبرة أصواتهم، في كسرة خاطرهم، في شرود حضورهم، حتى انزوائهم وانعزالهم يكون تعلقا بوهم عودة فقيدهم.
منذ شهور رحلت أمي أيقونة عائلتي الصغيرة، أيقونة والديها (يرحمهم الله) وأخوتها وقريباتها، أيقونة صديقاتها كما يحبون الإطلاق عليها... فلحق كل هؤلاء بركب الأيتام – أيتام أمي – حتى والدي أستطيع أن أطلق عليه (اليتيم) فقد كان متيما بأمي ضائعا ووحيدا من دونها.
لا خلاف على تعريف (اليتيم) في اللغة، لكنني أستطيع البوح بأن من لم يذق حرقة ألم الفراق الذي لا عودة بعده، فراق لا اتصال ولا كلام ولا جواب، لن يشعر بما تدل عليه خشونة أحرف (اليتم) فكيف بمشاعره وأحزانه وقلقه وخوفه.
إن الفقد ألم لا أستطيع تحديد ماهيته أو مكانه، ألم حقيقي في الحلق لدرجة الاختناق وحشرجة الروح، تيهان مركز الأعصاب بعاصفة من انعدام التوازن والقدرة على الرؤية، عدم السيطرة على انسكاب الدموع، على التحكم بالجوارح، حتى البوصلة البولوجية تختلط عليها الاتجاهات ومدى الشعور بالوقت.
نعم.. ألم يشعر به من ذاقه (أعيد تكرارها لكم أعزائي) ذلك لأني أشفق على البعض هذه الأيام بمدى انشغالهم بأمور دنيوية وكماليات ثانوية، متناسين من هم أولى بالانشغال معهم..
أبواب الجنة الوالد والولدة.. الأب والأم.. الأخوة، فحجم الحيز الذي يملأونه في قلبك شرايينك حبال أعصابك.. لا تقدره وتميزه إلا بعد فقد أحدهم.
حياة الدنيا زائلة شرسة تتغير بين يوم وليلة، بين ثانية ودقيقة دون إمهال، وكان من قسوتها أخذ أيقونتنا من بيننا ومفاجعتي بتيتم عائلتي.