يقولون إن كل فتاة بأبيها معجبة؛ وكذلك كل إنسان بلغته مغرَم، وقد لا تكون لغته هي الأفضل من ناحية الألفاظ والتراكيب والجذور والإعراب والاشتقاقات، ولا هي تتبوأ منزلة عالمية، ولكن هو الانتماء والولاء لتلك اللغة التي نشأ وتربى عليها.
ومن هنا نستغرب من أولئك الذين يعتزون بغير لغتهم الأم! بل ربما للأسف أكثروا من استخدام لغة غيرهم تفاخرًا أو جهلًا بما يملكون من فخامة وقوة وعذوبة للغتهم الأصلية خصوصًا إذا كانت لغة قوية تاريخيًّا كاللغة العربية، والتي يشهد لها أهل الاختصاص بتميّزها عن غيرها، ويشهد لها أيضًا أولئك الذين يتحدثون أكثر من لغة بإتقان، فهم على يقين برصانة ومرونة اللغة العربية.
يوافق يوم (18) ديسمبر من كل سنة (اليوم العالمي للغة العربية). وهي لغة من ضمن اللغات الست التي تعترف بها رسميًّا الأمم المتحدة (العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية). وقالت عنها في موقعها الرسمي: «تُعد اللغة العربية ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم؛ إذ يتكلمها يوميًّا ما يزيد على (400) مليون نسمة من سكان المعمورة».
وبما أنني عربي فشهادتي في اللغة العربية مجروحة، وغير مقبولة؛ لأنها سوف تكتسي بالعاطفة والحب لهذه اللغة العظيمة التي اختارها الله لتكون لغة القرآن الكريم، بل هناك مَن يرى أنها أيضًا لغة أهل الجنة، كما جاء في الأثر: «أحبُّوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي».
ولكن بعيدًا عن العاطفة والأحاسيس، دعونا نستمع لما يقوله الخبراء عنها؛ لنعرف مكانتها بين اللغات الأخرى فقد نُقل عن المؤرخ الأمريكي جورج سارتون أنه وصفها قائلا: «إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح، فإذا فتحت أي خطاب فلن تجد صعوبة في قراءة أردأ خط به، وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح».
ويقول المفكر والناقد إدوارد سعيد: «هي واحدة من إبداعات العقل البشري، لغة الشعر والتصوف والتعبد، هي لغة القانون، هي لغة غير عادية في الفكاهة على سبيل المثال، والسرد وأعني بعض الإنجازات لمهارة السرد العربي».
طبعا نحن لا نستشهد بأقوالهم عن قلة علمنا بلغتنا، ولكن حتى نعرف قيمة ما نملك أكثر، ونعتز بها بشكل أعمق، وهو أيضًا من باب الاستئناس بآراء الآخرين ليس إلا. فالواقع أننا نعلم بقوة ومتانة وعظمة لغتنا حين نقارنها بأي لغة أخرى من لغات العالم. وانظروا إن شئتم على سبيل المثال كتاب «أسرار البلاغة» للجرجاني.
بالنسبة للأرقام التي قد تعطينا تصورًا عن مقدرة اللغة، وتنوع الأسماء والألفاظ والصفات، فالبعض يذكر أن عدد كلمات اللغة العربية يتجاوز (12) مليونًا مع الجذور والمشتقات منها دون تكرار. بينما يُقال إن اللغة الإنجليزية عدد كلماتها (600) ألف، وهي اليوم اللغة الأكثر استعمالًا وانتشارًا حول العالم، ليس لأنها الأفضل لغويًّا! ولكنها التراكمات التاريخية من استعمار طويل المدى، وكذلك الهيمنة الاقتصادية والسياسية منذ بداية القرن العشرين.
وأما عن جمال لغتنا العربية وسحرها، فيقول أمير الشعراء أحمد شوقي: إن الذي ملأ اللغات محاسنًا... جعل الجمال وسره في الضاد.
ومن طريف ما قرأت في هذا الباب أن أحدهم تقدَّم بطلب للتدريس، وقد أخطأ لغويًّا في كتابة كلمة في خطابه للتوظيف، فلما علم بذلك الدكتور والأديب طه حسين لم يقبل طلبه! (وهو فعلًا مُحق في موقفه)، فهل يُعقل أن يكون باب النجار مخلوعًا؟!
والحقيقة.. يكفي اللغة العربية فخرًا أنها لغة القرآن الخالدة.
abdullaghannam@