حازت القمة السعودية الصينية على اهتمام دولي واسع وتغطية إعلامية مكثفة تجاه توقيع الاتفاقيات الإستراتيجية بين الرياض وبكين، فالزعيم الصيني يحمل بين جنباته مشروعه الوطني "الحزام والطريق" ويعتبره حلم بلاده لتكون الاقتصاد الأول عالمياً، وكذلك يحمل سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء مشروع بلاده "الرؤية الوطنية 2030" ويعتبرها حلم بلاده نحو آفاق المستقبل.
من هنا تأتي فرص نجاح القمة التاريخية، التقاء الأفكار والطموحات والرؤى نحو المستقبل المنشود، شراكات مترسخة نحو عالم أفضل، فبين الرياض وبكين نقاط توافق عديدة في مسار العلاقات الدولية، كالشعور بالمسؤولية تجاه الاستقرار العالمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى السعي الحضاري نحو دعم القضايا الإنسانية ومستقبل الحياة على كوكب الأرض، كموضوعات البيئة والمناخ والاقتصاد الأخضر.
جاءت القمة السعودية الصينية كتتويج للعلاقات الثنائية المتطورة بين البلدين، اقتصاديا، الصين قد تطورت في العقدين الأخيرين لتصل إلى الاقتصاد الثاني عالميا، وتسعى في سباق مع الوقت لتكون الرقم واحد خلال الأعوام المقبلة، بينما تأتي المملكة ضمن قائمة أقوى عشرين اقتصادا عالميا، فهي صاحبة الثقل الاقتصادي الأكبر والأضخم في منطقة الشرق الأوسط.
يترسخ عمق الشراكة الاقتصادي بين البلدين كون الصين هي المستورد الأول للنفط السعودي لتغذية مصانعها المنتشرة في جغرافيا الصين الفسيحة، والتي أثبتت واقعاً إستراتيجياً بأنها الشريان الرئيسي والمغذي لأسواق الاستهلاك العالمية، وليس الثقل الاقتصادي وحده يمثل العلاقة بين الرياض وبكين، فهناك محور آخر هو الثقل السياسي لكليهما، فالصين أحد الخمسة الكبار دائمي العضوية في مجلس الأمن، وتمثل حالياً القطب العالمي الآخر أمام الولايات المتحدة، بينما تمثل المملكة الثقل السياسي الأول، خليجياً وعربياً وإسلامياً، فهي محور الارتكاز ونقطة التوازن الحقيقية في منطقة الشرق الأوسط.
إن أهم لغة مشتركة بين الرياض وبكين في عالم السياسة، تأتي من منهجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهنا تأتي رسالة صريحة للنظام الإيراني الذي ما يفتأ منذ العقود الأربعة الماضية في نشر الفوضى وتعميم الفتنة الطائفية بين شعوب المنطقة، فاللغة المشتركة لهذه القمة التاريخية تترسخ نحو بناء الاقتصاديات المثمرة والبناءة لصالح شعوب المنطقة، وهذه بالطبع لغة يستعصي فهمها على عقول وعمائم الملالي، التي لا تعرف سوى لغة الدمار والإرهاب.
وفي الختام.. العالم يتجه نحو التحالفات الدولية، وأبجديات السياسة الدولية تنص على افتراض أن العلاقات الوثيقة بين طرفين لا يعني بالضرورة تحالفاً ضد أطراف أخرى، فالهند مثلاً عضو أساسي في تحالف بريكس مع الصين وروسيا، وهي في ذات الوقت عضو في تحالف كواد مع الولايات المتحدة، ومن هذه النقطة تترسخ أهمية قمة الرياض التاريخية مع الصين والتي سبقتها قبل عدة أشهر قمة تاريخية مع الولايات المتحدة، هكذا تدار السياسة بالحنكة والذكاء، فلغة السياسة الواقعية تقتضي جني ثمار التحالفات الإستراتيجية دون إضرار العلاقات مع الأطراف الأخرى، وهنا تأتي أدوار القيادة الحكيمة والإدارة الإستراتيجية التي ينتهجها الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.
@albakry1814