من المفارقات أن تفسر كلمة نرجسية على أنها حب للنفس في حين أنها في الواقع تمثل الحالة التي لا يكون فيها لدى الشخص نفس متماسكة ليحبها وذلك هو أساس مشكلته!!!
لو شعرت ببعض الغرابة في هذه الفكرة تابع معي لعلنا نستجلي الصورة.
لو كانت النرجسية طريقة قياس لمدى الانشغال بالنفس فجميعنا نقع في نقطة من طيف الانشغال بالنفس، فترانا نحتفي باهتمام الآخرين وننتشي بوجودنا تحت الأضواء، لكن منا من يبالغ في زهوه بنفسه ويستهويه الغوص في أعماق نفسه بصورة أكبر فيرى أن الناس يشكلون ظلا لكيانه وأصواتهم صدى لصوته، فهم أدوات يستخدمها للفت الانتباه إليه ومجموعة من الأجسام المعتمة التي تعكس إشعاعاته ويتحكم بهم كما يتحكم بيديه ورجليه. ولكن هل تساءلنا يوما كيف بدأت هذه الحالة من الاستغراق في الذات والتوغل في النرجسية.
نحن البشر كائنات اجتماعية حتى النخاع يعتمد بقاؤنا وسعادتنا على وجود الروابط التي ننشئها مع الآخرين، نشعر منذ لحظة الولادة بالحاجة إلى الانتباه والحصول على الاهتمام، نظل في حاجة مستمرة للنظر في عيون الآخرين والتواصل البصري معهم. لكننا في رحلة بحثنا عن الاهتمام نواجه مشكلة كبيرة وهي أن هناك القليل فقط من الاهتمام يمكننا الحصول عليه فقد تكتشف في سن مبكرة أن لك أخوة يشاركونك في اهتمام والديك ولك زملاء فصل يشاركونك اهتمام المعلم في المدرسة ثم تكبر وتفهم أن الناس غارقون في مشاكلهم الخاصة ولا يبالون كثيرا بمصيرك وأن لحظات الاهتمام والاعتراف بالتقدير تمر خاطفة لا تشبع رغبتك.
لمواجهة هذه المعضلة نمر بمرحلة فاصلة في سني عمرنا الأولى وتحديدا من السنة الثانية حتى الخامسة عندما نشعر بالاستقلال عن الأم، نخلق ونبني صورة عن نفسنا تشعرنا بالاعتراف من الداخل وتتكون من أذواقنا وآرائنا ورؤيتنا للعالم وكل ما ننظر إليه بنوع من التقدير، في حال وجدنا تشجيع والدينا في جهودنا للاستقلال واكتشاف خصالنا الفريدة ودمجها في صورة ذواتنا تترسخ هذه الصورة وتتجه طاقتنا نحو الداخل ونحصل على نفس نلوذ لها في لحظات الشك والاكتئاب ونمتلك اعتدادا بأنفسنا يساعدنا على ضبط شكوكنا ومخاوفنا.
الأشخاص ذوو النرجسية العميقة لديهم انقطاع حاد في هذا التطور المبكر، فهم لا يحسنون بناء شعور يتسم بالثبات والواقعية لأنفسهم، قد يكون السبب في ذلك أن لهم أمهات وأبناء كانوا أنفسهم موغلين في النرجسية منشغلين بأنفسهم لدرجة تمنعهم من الاعتراف بطفلهم أو في صورة مقابلة يمكن أن يكونوا مفرطين في الاهتمام منهمكين في حياة طفلهم فيطوقون الطفل ويعزلونه عن الآخرين ويرون فيه وسيلة لإثبات القيمة الذاتية الخاصة بهم.
في مرحلة الطفولة قد يظهر الطفل النرجسي منفتحا وناجحا وخبيرا في جذب انتباه الآخرين واحتكاره وقد تبدو تلك الخصال إيجابية وعلامة للنجاح الاجتماعي مستقبلا، لكن بمجرد بلوغ هؤلاء الأشخاص مرحلة الشباب في العشرينيات من العمر يستيقظون على كابوس ينغص حياتهم ويكشفون أنهم أخفقوا في بناء جهاز للضبط الذاتي وبناء إحساس متماسك بالذات ليحبوها ويعتمدوا عليها.
قد تأخذ معاناة النرجسي منحيين فإذا كان منفتحا سيستمر في التباهي والتعالي وأداء مسرحيات سخيفة لجذب الانتباه ولكن هذا الأمر مستنزف ومتعب ومزر لذلك يضطر لتغيير أصدقائه باستمرار وتغيير مسرح حياته مرارا وتكرارا بحثا عن جمهور جديد، أما لو كان النرجسي منطويا فسيزداد سقوطا في نفسه الوهمية ويربك محيطه بزهوه وتبجحه بتفوق وهمي يعزز من عزلته الخطرة!!!
@wallaabdallagas