[email protected]
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس وركيزة أساسية في روتينهم اليومي، حتى أن البعض بات شغوفًا مهووسًا بها، ومدمنًا عليها لدرجة أنهم لا يتخيّلون حياتهم دونها، ولعله يكفي ما يفعلونه بشكل لا إرادي بعد استيقاظهم صباحًا وهو التحقق من خلاصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
إن هذا التمدّد لوسائل التواصل وتغلغلها في حياة الناس وتفاصيلها ونحتها المستمر في اهتماماتهم وسلوكياتهم، وتدخلها في اختياراتهم وتوجهاتهم وربما أفكارهم وقناعاتهم، أمر مقلق ومحيّر في آن واحد، لأنها ببساطة تفقدنا التركيز، وتهدر الكثير من أوقاتنا، وطاقاتنا، وعاداتنا اليومية المفيدة، كالقراءة الجادَّة، والرياضة والتأمل والاختلاء بالنفس، والإصغاء باهتمام لمن حولنا، أو حتى النوم العميق وبناء علاقات طبيعية جديدة.
ولأن الأحداث الرائجة والموضوعات الشائعة و«الترندات» الذائعة على وسائل التواصل ومؤشرات البحث لا تعني بالضرورة أنها مثالية أو ناجحة أو حتى جيّدة للتداول، فقد تكون عبارة عن مواقف «ماسخة» أو مشكلات مجتمعية بحاجة إلى معالجة أو فضائح بحاجة إلى ستر، لذلك، لا ينبغي الربط بينها والنجاح، فالنجاح الحقيقي يعني تقديم محتوى متميّز ومفيّد وإبداعات مشرقة ومشوّقة وإنجازات حقيقية تضيف قيمة للناس والحياة.
إن الرغبة البشرية الطبيعية في أن يُقبَل الإنسان اجتماعيًا وأن تكون الصورة التي يرسمها الآخرون له سواء في الطبيعة والحقيقة أو على وسائل التواصل جيّدة وملائمة، هي رغبة تكيفيّة في الأساس، لذلك، غالبًا ما يؤثر هذا الأمر على تكويننا النفسي، فنعمل عند انضمامنا إلى مجموعات، على تقليد سلوك الأغلبية حتى يكون سلوكنا منطقيًا وأكثر قابلية للتكيّف، مستخدمين تأثيرات الآخرين وأفعالهم كاختصار إرشادي أو عقلي للتنقل والتصرف في بعض شؤون حياتنا دون أن نشعر.
ولأننا، ندرك إيجابيات تلك الوسائل على مستوى تقريب المسافات وإنجاز الأعمال ومدّ أواصر الصلة والتواصل مع الأقارب والأصدقاء والزملاء، وكذلك اكتساب الخبرات وتكوين الصداقات، إلا أن طغيان المظاهر والمحتوى السطحي والاستهلاكي على تلك الوسائل في الآونة الأخيرة، حتى أصبحت مكانًا لنشر الملل وبث الشائعات ومنصة للتباهي والعروض التسويقية والتفاخر بالإنجازات، يفرض علينا إعادة النظر في كثافة استخداماتنا وتصفحنا لها.
وفيما لم تبخل الأبحاث والتقارير العلمية الحديثة ودراسات علم النفس السيبراني والسلوكي، من التأكيد على أن الانقطاع بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي لفترات من الزمن يؤدي إلى تحسين الصحة العقلية وتعديل المزاج العام وتعزيز مستوى رفاهية الأفراد، وتقليل أعراض الاكتئاب والقلق، فإن الدعوة لنا جميعًا للنظر في تحديد فترات للتوقف عن استخدام وسائل التواصل أو ترشيدها والتقليل منها إدراكًا لصحتنا وسعادتنا ورفاهيتنا.