لم تعُد كرة القدم مجرد لعبة، بل تعدَّت تلك المرحلة بكثير، وتحوَّلت إلى ظاهرة اقتصادية واجتماعية عالمية، وصارت لها أبعاد سياسية كذلك.
ولكن ما يهم فعلًا أن تلك التظاهرة العالمية لفتت أنظار الجميع بلا استثناء حتى الذين لم يكن لهم اهتمام بالرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا أصبحوا مهتمين بالمونديال الكروي، ويتابعون أخبار الفرق والنتائج.
كأس العالم (2022) في دولة قطر الشقيقة كان ناجحًا بكل المقاييس من ناحية الاحتفالات والتنظيم والأمن، والإعلام والدعاية.
ومن الملاحظ أن هذا الحدث كان بدون شغب أو مواجهات بين الجماهير، فالروح الرياضية كانت هي السائدة داخل وخارج الملعب.
من ناحية الأرقام القياسية التي تحطمت هي كثيرة، ولكن يكفي أن نعرف أن عدد الذين شاهدوا المباريات عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة بلغ تقريبًا خمسة مليارات مشاهد، وأن أكبر حضور جماهيري في مباراة كان في هذا المونديال، حيث بلغ ما يقرب من تسعة وثمانين ألف شخص.
ومن الدروس المستفادة أن الحلم مهما كان كبيرًا يمكن تحقيقه إذا كان هناك هدف واضح وعزيمة وخطة مدروسة. بالإضافة إلى عدم الالتفات إلى المثبطين مهما قالوا؛ لأن الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجر، والناجحون هم الذين يُنتقدون بشدة؛ لأنهم وصلوا إلى القمة.
ومن الدروس أيضًا أن العالم يحترم مَن يحافظ على دينه ومبادئه وقيمه وتقاليده، مهما كانت الضغوط والمؤثرات الخارجية؛ لأنك هنا تنقل صورة حسنة عن المجتمع وأخلاقه ومبادئه.
وأعتقد أنه من خلال هذا المونديال على العالم الغربي أن يدرك أن العالم والناس ليسوا شكلًا واحدًا، ولا لهم تفكير موحد، وليسوا لونًا واحدًا فقط! بمعنى أن هناك أفكارًا أخرى، وثقافات مختلفة، وتقاليد متعددة، وديانات متفاوتة، فلا يمكن أن تطلب من الناس أن يفكروا بنفس الطريقة التي يفكر بها الرجل الغربي! ولا يمكن أن نفصّل ثوبًا واحدًا للجميع، ونطالب العالم بأن يتقبل فكرة أن الثقافة والنموذج الغربي هو الطريقة الوحيدة للعيش والحياة. بل إن مجرد فرض هذه الطريقة يُعتبر (رجعية وتخلفًا)، وتسلّطًا غير مبرَّر إطلاقًا!! إذ كيف نطالب العالم وعددهم حاليًّا (7.8) مليار نسمة بأن يكونوا طبق الأصل من بعضهم البعض في الثقافة والقِيَم، وطريقة التفكير، إن هذا أمرٌ محال! ولن يكون بتاتًا؛ لأنه يخالف طبيعة البشر والسنن الكونية، والله «سبحانه وتعالى» قد قال: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ».
ومن الدروس المهمة كذلك ألا نخالف الفطرة البشرية أبدًا! لأننا سوف نصطدم بالجدار! وأي محاولة في تغيّر ذلك لن تنجح البتة؛ لأن الله «سبحانه وتعالى» خلق الكون بنظام معيّن، وخلق البشر بسنن فطرية من أجل استمرار الحياة والأجيال بطريقة سليمة وصحية تتماشى مع طبيعة تكوين الإنسان الجسدي والنفسي والبيولوجي.
والحقيقة الجلية أن الرجل سيبقى رجلًا، والمرأة امرأة، ومحاولة خلط أو تقمّص الأدوار أو التحوّلات النفسية أو الجسدية غير السوية لن تُجدي نفعًا، ولو فتحنا هذا الباب على مصراعيه فلا نستغرب أن يأتي زمن يطالب فيه الإنسان بأن يتحوَّل إلى حيوان أو شجرة!؛ لأنه ليست هناك قيود أو مبادئ أو قِيَم أو أخلاق. والبعض يُسمّى هذه المرحلة ما بعد الحداثة يعني تمييع أي قيمة أخلاقية أو فطرية لدى الإنسان، بحيث لا يكون هناك مقياس لأي شيء.
وللأسف إذا وصل الإنسان إلى تلك المرحلة فسيصبح الحيوان والشجر أفضل وأعلى منزلة منه! بينما الله «سبحانه وتعالى» يقول: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».
إن أهم درس في هذا المونديال أن الفطرة البشرية السليمة والأخلاق هي لغة إنسانية وعالمية.
abdullaghannam@