لا أدري من أي أبواب التعبير أدخل؛ لأصف حالنا وخالد بيننا، ثم حالنا بعد رحيله؟
على الرغم من إدراكي عدم القدرة على الوفاء بما له في نفسي. إلا أنه قد استقر وصفي لحالنا بعده على عنوان هذه المقالة التي لا تفي بالبوح عما في الخاطر. لهذا سأترك لمشاعري أن تأتي على فطرتها وبراءتها وألمها وحرقتها!
كان أخي الغالي خالد بن ناصر المعجل ذا إيثار؛ يشهد به كل مَن عرفه، بدءًا من أهل بيته وأسرته، وانتهاءً بزملائه وأصدقائه. وكانت هذه السمة فيه تأتي طبعًا لا تطبُّعًا. لهذا كان إيثاره يأتي متجردًا من المصالح والمنافع؛ فكان يقدِّم غيره في كل أمر على نفسه. وقد سمعت من إخوته وبعض زملائه قصصًا، لا يمكن تصديقها لولا تواترها، وصدق الرواة. وقد توَّج هذه الشهادات معالي محافظ التأمينات الاجتماعية، حين ذكر عدد المعاملات التي أنجزها خالد في العام الحالي؛ على الرغم من مرضه؛ إذ بلغت ٣٣ ألف معاملة.
وكان - كما وصلني- يُنجز المعاملات وهو في المستشفى، بل بلغ به الحرص على أنه كان يعالج أحد الطلبات، وهو في سيارة الإسعاف متجهًا للمستشفى، حين كان المشوار الأخير في حياته!
هذا جزء من الإيثار الذي تفرَّد به خالد، ولنا أن نُحصي عدد المستفيدين من إنجازه...!
كما شمل أسرته، أشقاءه وشقيقاته، بسحائب لطفه وفزعته، ومروءته ومبادراته، ومتابعته، وخلقه الرفيع، وتواضعه.
وغمر أبناء عمومته (وأنا أحدهم) بكريم خلقه، ومسارعته لكل خير، وسرعة تجاوبه، وكأنه هو مَن طلب الخدمة. وسطَّر خالد أروع صور الإيثار، وانفرد بخصال قلما تجتمع في شخص واحد.
أما التأثير فكان قدوة لنا جميعًا، نحاول أن نجاريه في مكرماته، وإن لم نستطع. وأما بعد رحيله؛ فكان أثره ظاهرًا في الحزن الذي أصاب الجميع عليه. فكان الفقد عظيمًا والمصاب جللًا.
إن شهادتي في أخي خالد مجروحة؛ لأنه قريب من القلب، وأنيس لا أملُّ الحديث معه، وامتداد لأب عظيم بخُلقه ولُطفه وسماحته. فهو نبعة لأم تعجز الكلمات عن وصفها؛ رحمهما الله ووالدي.
سنتذكر خالدًا في زوايا حياتنا، وفي أحاديثنا، في مواقفه معنا،
وفي صوته وصورته، وفي حديثه المحفز، وفي مبادراته النافعة.
غفر الله لفقيدنا، وجبر مصابنا، وربط على قلوبنا.
والعوض في أحبتي أشقائه وأولاده؛ الذين سنرى فيهم امتدادًا لمكارم والدهم وبِرِّه.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء بمقدار.