لقد كثر الحديث عن النظام العالمي الجديد منذ سقوط ونهاية جدار برلين الذي كان يفصل الألمانيتين، حيث تم هدمه في البداية بتاريخ 9 نوفمبر 1989م على يد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان الذي كان له دور كبير في سقوط الجدار لتوحيد ألمانيا الشرقية بألمانيا الغربية لإبعادها عن المعسكر السوفيتي وحلف وارسو. ولقد تمت إزالة الجدار بالكامل في 1991م. كان ذلك الحدث التاريخي حاسماً بالنسبة للألمانيتين وللاتحاد السوفيتي وحلفائه الذين انشقوا عنه تدريجياً، وكذلك للولايات المتحدة وحلفائها. كان الاتحاد السوفيتي عدواً لدوداً للولايات المتحدة وحلفائها لأنه يعرقل مسيرة النظام العالمي الجديد ويكشف خططه كما فعلت الثورة البلشفية في كشف مخططات الاستعمار الغربي ضد العرب.
الحقيقة أن الاستعمار الغربي يتشكل بطرق جديدة، لكنه يبقى كما هو بأجندة الاستعمار القديم بلباس جديد وأهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية محددة وغامضة مهما اختلفت أوجهه. تحاول الدول الغربية تشكيل العالم بما يناسب أهدافها ومصالحها، وتستخدم عدة آليات للوصول إليها بأقل ما يمكن من المقاومة العالمية للأنظمة التي تتعارض مع سياساتها ومصالحها. تتآمر دول الاستعمار الغربي القديم ضد الدول النامية، خاصة التي تمتلك الثروات ومصادر الطاقة التي تعتمد عليها هذه الدول المتآمرة بشتى الطرق والوسائل. يعد النظام العالمي الجديد مشروع حكومة عالمية شمولية دكتاتورية سرية متشكلة من خلال نظريات المؤامرة المختلفة. سمعنا عن الحكومة العميقة التي تدير الحكومة الشكلية في الظل بسرية في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وذلك خلال أزمة كورونا وغيرها من الأزمات الاقتصادية والسياسية. لقد ساهم غزو العراق للكويت في تسريع بروز خطط ونوايا نظام عالمي جديد. الفكرة الشائعة بأن النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة تعمل سراً على نظام عالمي جديد، وذلك استناداً إلى الخطاب السياسي الأمريكي في أوائل التسعينيات الميلادية من القرن الماضي.. انتشرت فكرة أن عصرًا جديدًا على وشك البزوغ في نهاية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي، حيث طرح عالم السياسة الأمريكي فوكوياما أطروحة تفيد بأن نهاية التاريخ قد حانت، فقد قال: لقد انتصرت الليبرالية الديمقراطية القائمة أخيرًا على فلسفة السوق الاقتصادية، ولم تعُد هناك تناقضات عالمية يمكن أن تدفع مزيدًا من التطور في التاريخ، لقد أدلى الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب بتصريح مماثل لخطاب فوكوياما خلال حرب الخليج الثانية، وذلك في 29 يناير 1991، حيث قال في خطابه الثاني عن حالة الاتحاد الأمريكي أمام مجلسي الكونجرس: ما هو على المحك هو أكثر من بلد صغير، إنها فكرة كبيرة لنظام عالمي جديد، حيث تجتمع الدول المتنوعة معًا في قضية مشتركة لتحقيق التطلعات العالمية للبشرية ليسود السلام والأمن والحرية وسيادة القانون. ما جاء في كلمة الرئيس جورج الأب عن النظام العالمي الجديد كان إشارة إلى ما يجري وراء الكواليس من تخطيط في الخفاء لحكومة عالمية تقود العالم بغض النظر عن السيادات الوطنية للدول التي تحكمها وتديرها الحكومة العالمية، ويشمل النظام الجديد الولايات المتحدة في نواح عديدة منها المالية والسياسية والدينية، فقد شعر الجناح الديني المسيحي المتطرف بخطورة النظام العالمي عليه، فعمل على تجييش أتباعه لمقاومته. قاد المسيحي المتطرف باتريك روبنسون الحملة ضد النظام العالمي الجديد وكان يهاجمه في كنيسته كل يوم أحد، ويحاول تفريغ غليله في الإسلام كلما سمحت له الفرص، وكان هناك تقبّل لخطابه الديني المتطرف بين أتباعه المتطرفين مثله يرى المخططون للنظام العالمي الجديد أن العقبة أمامهم هي الإسلام وأتباعه، لذلك يحاولون إقصاءه بشتى الوسائل. مؤشرات النظام العالمي الجديد كثيرة ومنها محاولة نشر الديموقراطية الغربية وما يرتبط بها من مفاسد أخلاقية ومحاربة للدين والقيم. يستغل المروجون للحريات والديموقراطية والجنس والمثلية الأجيال القادمة لتغيير أمور ومفاهيم وقيم تتعارض مع قيم مجتمعات لا تتفق مع الغربيين في قضايا كثيرة.
@dr_abdulwahhab