إذا كان التعريض في الكلام يمثل أسلوبًا تربويًّا عند المثقفين فهو قبل ذلك منهج عقدي فيه فن من فنون البلاغة يبث إشارات خفية لها آليتها الرمزية ظاهرة أو باطنة، تأتي من أقصر الطرق بعيدًا عن التشهير وبعيدًا عن إيذاء الغير، إما يستخدم فيه المتحدث الحكم والأمثال وخلافها، وإما أن يضمن كلامه بآية أو بيت شعر، وجاء في الأثر أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وفي مجتمعاتنا مثلا تتعدد المناسبات وتكثر الاجتماعات التي نلتقي فيها بالكثير من الناس ولكل منهم أسلوبه الخاص ونظرته المغايرة فيكون الخلاف في رأي أو مسألة أمرا طبيعيا، سواء كان هذا الخلاف بسيطا يمكن تجاوزه أو معقدا يمكن مواجهته دون السقوط في هتك الوجاهة والمكانة، والتلميح في هذا المجال ضرب من ضروب الكلام لا يتقنه إلا من يضع المحاور في منزلته الحقيقية لإيصال فكرته عن قناعة طالما كان الغرض جلب حق أو حجب باطل، وما كل ما تواجهه من من خلاف يمكن تغييره ولو كنت محقًّا، والاختلاف ليس بنهاية المطاف، ومَن منا لا يُخطئ، والإنسان بطبيعته يكره أن يعاب أمام الآخرين إلى حد أن بعضهم يتمسك برأيه ولو كان عالماً بخطئه، ولذلك قالوا رب تلميح أوقع من تصريح، والعاقل من يتقمص دور الطبيب في مثل هذا الوقت، فإما أن يجرح وإما أن يداوي، ولهذا جعلوا التعريض المحمود لمن يستميل النفوس الراقية من أهل البصائر السامية، وأصبحت المبالغة في الشيء عادة لا فائدة منها ولا منفعة فيها.
ألم ترَ أن التنظير في وسائل التواصل المختلفة منهج الكل، وما نفتي به لا نلتزم به، ومعظمنا يقول عكس ما يفعل، وشتان بين من يهدي العيوب كناصح أمين وبين مَن يجعل همَّه تصيّد أخطاء الآخرين، والمرء يعرف من كلامه، ولا غرابة إذن إذا تجلى ذلك التعريض في آيات الذكر الحكيم أو قول رسولنا الكريم، كما ورد فيهما، وجعل حل ذلك يكمن في تقديم حسن الظن عند سوء الفهم، وإلا فكل سوء فهم لا يمكن أن تتجاوزه من دون تعب، ولا يمكن أن يزول من غير وقت، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
قال الشافعي: ما نصحت شخصًا قط إلا وجدته يفتش عن عيوبي.
وأخيرًا.. الاعتراف بالحق جسارة وإياك أعني واسمعي يا جارة!!!
@yan1433