عن عبدالله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت.
يودع بعض الناس أهله وأحبابه بحسرة ومرارة، فيبتعد مكرهًا، ويسافر مضطرًا لتأمين احتياجاتهم، وتوفير الحياة الكريمة والعيش الهانئ لأسرته. إنه لمشهد صعب على قلب كل أب، وليس بالأمر الذي يمكن للنفس أن تعتاد عليه بسهولة، ولكنها سُنة الحياة ومتطلباتها التي تدفعنا لمثل هذه الممارسات والتجارب القاسية.
لا شك في أن الشقاء جزء من مكوّنات الحياة التي لا تكاد تنفك عنها، قال «جل وعلا»: (لقد خلقنا الإنسان في كبد). والظروف الحياتية التي نعيشها تختلف من شخص إلى آخر، وما يصلح لشخص ما ليس بالضرورة أن يصلح لغيره، وعليه فليس من الصواب أن يطلب أحد من شخص أن يعيش بنفس أسلوب الحياة التي يعيشها، فيقول له كيف تترك أهلك وتتغرب، أو أن يتندر به ويقول له: ما أكثر حبك لجمع المال، لأنك في حقيقة الأمر لا تدري ما هو حجم الأعباء التي يتحمّلها هذا الشخص، ولربما لو تحملت جزءا بسيطا مما يتحمله، لفعلت أكثر منه.
لقد عاش الآباء والأجداد تجارب مشابهة لما يعيشه الآبناء اليوم من تغرّب وابتعاد، إلا أن تجاربهم كانت أشد قسوة وصعوبة، لأن ما قاموا به، حدث في فترة صعبة من ضنك العيش ومشقة التنقل وقلة ذات اليد.
فلنترحم على من مات من آبائنا، ولنرأف بمن يعيش بيننا، ولنُعِنهم ولا نُعِن عليهم، ولتكن متطلباتنا معقولة، فنبتعد عن طلب الكماليات قدر المستطاع، ولنرفع لهم العقل على ما يقومون به من دور يصعب على الجبال أن تتحمله.
قال أحمد شوقي:
إذا لم يكن المرء عن عيشة غنى
فلا بد من يسر ولا بد من عسر
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مرها في الحلو والحلو في المر